لا أدري إن كانت محض صدفة حميدة، أو أنه عمل مقصود من رئيس محنك، بأن جاء محمد بركة آخر المتحدثين في اجتماع الأمناء العامين، هذا الصوت القادم من العمق الفلسطيني الصامد على الأرض في وجه العنصرية الصهيونية، هو صوت الضمير الوطني البعيد عن التناقضات والخصومات الفصائلية، جاء خطابه كمصفاة وطنية لينحي جانبًا كل الشوائب ويضع النقاط على الحروف ويلخص الأهداف والرسائل من هذا الاجتماع التاريخي.

حدد بركة الرسالة الرئيسة للاجتماع عندما قال: "إن لدى الشعب الفلسطيني اليوم قيادة وطنية شرعية واحدة تملك حصرًا حق التحدث باسم الشعب الفلسطيني، وهي من تمسك بقراره الوطني"، وأضاف أن المحاولات لخلق قيادة بديلة يمكن أن تسير في ركب صفقة القرن قد فشلت. ولكي لا يكون هذا الانجاز مؤقتًا، قال بركة سنحكم إذا ما كان هذا الاجتماع تاريخيًا أم لا بعد عدة أسابيع، إذا ما سينجح الأمناء العامون في إنهاء الانقسام، ومنع إقامة دولة دون غزة، أو دولة في غزة دون الضفة.

خطاب الرئيس محمود عباس في بداية الاجتماع، كان خطاب الشعب الفلسطيني، بمعنى أن أجندته وطنية فلسطينية خالصة، وحدد هذا الخطاب بشكل واضح ثوابت فلسطينية يتحدث ويلتف حولها الجميع، باعتبارها الأساس لأي وحدة وطنية. كما حدد الرئيس المبادئ والأسس لاي حل لصراع يمكن أن يقبله أغلب الشعب الفلسطيني، وهو الحل المستند للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ومبدأ حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.

والخطابان خطاب الرئيس وخطاب بركة قدما تحليلاً عميقًا لطبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري، واتفقا أنه يمكن تلخيص مضمون هذا المشروع في وعد بلفور عام 1917, وقانون يهودية الدولة الذي أقره الكنيست الاسرائيلي عام 2018, وكليهما يتفق على إنكار الحقوق السياسية للشعب الغلسطيني.

وبغض النظر، عن الاجماع الذي برز في كلمات الأمناء العامين برفض صفقة القرن ومخطط الضم، فإن الأجندات الاقليمية كانت واضحة في بعض الكلمات، والمحاولة لربط الحالة الفلسطينية بهذا المحور أو ذاك. إلا أن المهم بهكذا اجتماع هو في الرسالة التي يبعثها للعالم والاقليم، وبأن الشعب الفلسطيني موحد في مواجهة الضم والصفقة. صحيح أن المواقف بين الخطابين الأول والأخير كانت متعرجة بعض الشيء، تبتعد أحيانًا في القدرة عن التعبير عن المصلحة الوطنية الخالصة، ولكن يحب ألا يفوتنا بأنه الاجتماع الأول منذ عام 2005.

كما لا يغيب عن الإنسان الفلسطيني توزع بعض الفصائل على المحاور الإقليمية، ولكن المهم ألا يمزق القرار الوطني الغلسطيني بين هذه المحاور، لأنه في مثل هذه الحالة ستمزق القضية الفلسطينية، وهو ما يسعى إليه كوشنير وعصابة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.

إن أهم إنجاز لهذا الاجتماع. بالرغم من كل الملاحظات، إنه منع هذا التمزيق، وحدد بوضوح تام أن للشعب الفلسطيني قيادة واحدة تمثله متمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة. وأنه بهذا المعنى نصر كبير وهزيمة لمراهنة المطبعين المستسلمين للمشروع الصهيوني وعصابة ترامب الفاسدة في خلق قيادة بديلة، تبرر لهم خنوعهم ورضوخهم لصهر ترامب.