ما زالت دويخة الضم تلف دولة الاستعمار الإسرائيلية بإرباكاتها، وتخيم حسابات القوى المتصارعة داخل الحكومة وخارجها على الموقف الإسرائيلي، وحتى أصابت إدارة ترامب بطراطيشها وشظاياها، رغم وجود 10 خرائط لسيناريوهات العملية، غير أن التباينات بين الفسيفساء الحزبية والحكومة تثقل كاهل رئيس الحكومة الفاسد، لا سيما وأن عدم الضم لحوالي 34% من أراضي الضفة الفلسطينية يفقده ورقة مهمة مع أقطاب اليمين المتطرف، خصوصًا قطعان المستعمرين، الذين ذكروا أمس الإثنين، نتنياهو بأنه نجح بأصواتهم، وأن دعمهم له جاء على أرضية تنفيذ الضم، ورفضوا صفقة ترامب نفسها، ما أربك نتنياهو وترامب.

لكن تعقيدات عملية الضم لا تقف عند رفض العالم كله بما في ذلك أمريكا باستثناء أركان إدارة ترامب، إنما في الخلاف مع صاحب صفقة القرن، الذي ربط الضم بنقطتين، أولاً بالحصول على موافقة حزب "مناعة إسرائيل" عليه، الذي وفق المصادر الإعلامية الإسرائيلية سجل في الاجتماع المشترك مع رئيس الوزراء، نتنياهو، ورئيس الكنيست، ياريف ليفين، والسفير الأميركي ديفيد فريدمان أمس الأول الأحد، تخفظات على التوقيت والآليات، والمساحة المقرر ضمها، ما أربك الحاوي مؤقتا؛ وثانيا ضرورة حدوث ذلك بعد الاتفاق مع الفلسطينيين، وهذا الجانب لن يحدث نهائيًا، لأن الموقف الفلسطيني حازم وواضح منذ الإعلان عن ضم القدس العاصمة الفلسطينية في 6/12/2017. وضمنيًا أعتقد أن إدارة الرئيس الأفنجليكاني ليست متعجلة الضم في الظروف الداخلية الصعبة، التي تمر بها، رغم رغبة ترامب بالإمساك بورقة أو نصف ورقة رابحة، كما ورقة الضم، التي هي جزء من الصفقة المشؤومة، الآن في ظل احتدام الاستقطاب الداخلي والخارجي، لكسب الصهاينة واليمين الأميركي المتطرف لصالحه، خاصة وأن الانتخابات باتت تقترب أكثر فأكثر، وكونه يمني النفس بالبقاء في سدة الحكم لأربع سنوات أخر، وعليه لا يريد أن يخسر الولاية الثانية.

لهذا الموقف الإسرائيلي يعيش حالة من التشوش، والإرباك الناجمة عن عدم وحدة الموقف داخل البيت الإسرائيلي، ولشعور قطاع واسع في المؤسسة الأمنية الحاكمة، وفي أوساط جنرالات الاحتياط، وقادة الأجهزة الأمنية السابقين، وأيضا في أوساط النخب السياسية والإعلامية بما في ذلك داخل أوساط الليكود نفسه، لاعتقادهم جميعًا، أن الضم يضر بمصالح دولة إسرائيل، ولا يخدمها، ويسقط من أيديها أوراقًا عربية وعالمية رابحة، ويهدد علاقاتها بالعرب المطبعين قبل الرافضين له. وعليه يعيش نتنياهو تحت ضغط  القوى المعارضة، رغم اعتقاده أنها ورقته الرابحة الآن، والتي يمكن من خلالها حماية موقعه في رئاسة الحكومة، وحتى التصدي للقضاء، الذي شرع بمحاكمته. لكن خصومه في الموالاة والمعارضة ليسوا مستعدين لتعريض مصالح إسرائيل للخطر كرمى لعيون الفاسد، المتهم بـ 3 قضايا، وهناك قضايا أخطر سيتم الكشف عنها عما قريب، وللخروج من عنق الزجاجة حاليا، أثيرت أسئلة مطروحة على طاولة الحكومة الآن: هل تذهب للضم بشكل كلي ومباشر في مطلع تموز/ يوليو المقبل، كما جاء في الاتفاق المبرم بين الليكود و"حصانة إسرائيل"؟ أم تكتفي بضم الكتل الاستعمارية الثلاث؟ أم يتم التأجيل لشرط سياسي أنسب؟

على ما يبدو أن رئيس وزراء إسرائيل اقتنع أمس بضرورة الضم التدريجي للأغوار والمستعمرات والقدس العاصمة، وهو ما أعلنه في لقاء جمعه مع عدد من النخب أمس. وهذا التراجع حسب ما أعتقد، تراجع مؤقت وتكتيكي من وجهة نظر نتنياهو، فهو يناور لالتقاط الأنفاس، وللتحضير للتخلص من عبء غانتس وأشكنازي وحزبهم، والذهاب لانتخابات قبل نهاية العام، أو مع مطلع العام المقبل للتحرر منهم. لا سيما وأنه يعلم أيضا، أنهم يعملون من تحت الطاولة للتخلص منه، وللتسريع في نشر قضايا الفساد الجديدة، وهي حسب ما نشر أخطر من قضايا سوء الأمانة، والاحتيال والرشوة، خاصة قضية الغواصات الألمانية، وقضية البورصة .. وغيرها، وبالتالي التسريع في وضعه في السجن، لأنه عندئذ بكل براعته وألاعيبه وأوراقه لا يستطيع الإفلات من زنزانة السجن.

لكن أيّا كانت المواقف الإسرائيلية من عملية الضم، فإن الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي يفترض أن يصعد من كفاحه الشعبي والسياسي والدبلوماسي وعلى الصعد كافة لفرض استحقاقات السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بدعم من دول وأقطاب العالم.