إنَّ إسرائيل الكيان الاستعماري الكولنيالي والقوة القائمة بالاحتلال التي رفضت الاعتراف بحق الشعب صاحب الأرض منذ نشأتها وقتلت أي محاولة جادة للسلام العادل والإدارة الأمريكية معها في محاولاتهم الالتفاف على وحدانية ووحدة منظمة التحرير الفلسطينية أخذت أشكالاً مختلفة على مدار عقود ماضية، لكن بالسنوات الأخيرة وخصوصاً بعدما بات هناك مجال واسع للنجاح من وجهة نظرهم في هذه الخطة والمخطط بالاعتماد على الإخوان المسلمين وطموحاتهم للظفر بقطاع غزة والتحكم فيه. 

 

يبدو هناك درجة عالية من الاستجابة لدى حركة حماس لأن ما يهمها البقاء على حكمها وتحكمها في قطاع غزة في ظل "إمارة إسلامية "، خاصة بعد تصريحات متكررة لقادة حماس التي تشكك بتمثيل منظمة التحرير، كان آخرها التي تتحدث عن بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينة، هذه التصريحات التي جاءت في ظرف اتخذت فيه قيادة المنظمة موقفًا لاقى إجماعًا وطنيًا. أن ما يجري الأن هو محاولة لإرباك الموقف الداخلي الفلسطيني وتكريس الانقسام وبمساعدة من حركة الإخوان المسلمين العالمية ومن لف لفهم أو من الذين يسهلون لهم المهمة من قوى الاحتلال والاستعمار واليمين الديني السياسي بالولايات المتحدة.

 

هذه الحقائق ترتبط بوقائع تاريخية، وما حملته عملية التأسيس لحركة الإخوان، والرعاية والدعم البريطانية والقوى الغربية الرأسمالية في عام 1928 لتنظيم الإخوان المسلمين والتي أوكل لها مهمة تنفيذ المخطط الغربي الاستعماري في الوطن العربي بدءًا بمصر، في تفتيت وتمزيق وحدة شعوب ودول الأمة العربية يعكس جوهر ولب الحقيقة، ويؤكّد أنّ جماعة الإخوان ليس لديها علاقة بالإسلام، ولا بالمسلمين، ولا بالدين الحنيف عمومًا، ولم يكن الدين أكثر من غطاء وتضليل للشارع الفلسطيني وللشعوب العربية.

 

هذه الحركة التي لم تكن بعيدة عن مخطط مشروع الفوضى الخلاقة أو ما سُمي بالربيع العربي الذي إدارته الإدارة الأمريكية بالسنوات السابقة من أجل الوصول إلى ما وصلت له الحالة الان بدول عربية مختلفة ومن أجل تطوير قدرات دولة الاحتلال كأداة استعمار بالمنطقة ونقطة ارتكاز للإدارة الأمريكية ومن أجل محاولة تفريغ القضية الوطنية الفلسطينية من عمقها العربي بل ومن الدولي أيضًا من خلال فرض وقائع جديدة من خلال المتغيرات السياسية المتسارعة وإثارة بؤر توتر أينما كان. 

 

أذكر هنا أنه خلال حوار موسكو العام الماضي في محاولة لحل مشكلة المصالحة الداخلية الفلسطينية و الانقسام الحاصل من سرقة قطاع غزة الحبيب على أثر الانقلاب الأسود، وبعدما بدت الأمور في متناول اليد ويمكن الانتقال في مرحلة جديدة وطور جديد من المصالحة، اصطدمت كل فصائل م. ت. ف بموقف حركة "حماس" الذي رفض اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

 

في الواقع العملي، المحاور والتجاذبات الإقليمية والدولية التي تديرها حركة الاخوان العالمية وقوي استعمار تعمل من خلالها حركة "حماس" تدل على أنّ هذه المحاور وهذه الدول الإقليمية والقوي الدولية المعادية لشعبنا باتت تتقبل فكرة أن تكون "حماس" إطار موازي لمنظمة التحرير وبديلاً عنها في المستقبل، وهم يراهنون على ذلك من أجل الانقضاض على القرار الوطني الفلسطيني المستقل وعلى تراث منظمة التحرير وما تمثله من مراحل الكفاح الوطني لدحر الاحتلال. 

 

إنَّ منظمة التحرير جزء من الحقيقة القانونية في العالم وجزء من الحالة التي افرزها نضال الحركة الوطنية الفلسطينية وتضحياتها، أنّ إسرائيل راهنت منذ سنوات وحتى قبل نشؤ السلطة الوطنية على الحركة الإسلامية السياسية وتحديدًا على "الإخوان" لكي تكون بديلاً عن منظمة التحرير.

 

وأذكر أنه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كانت إسرائيل تسمح بكل بساطة للحركات الإسلامية السياسية بالعمل العلني في الوطن زمن الاحتلال باعتبار أن ذلك يعني بصورة أو بأخرى قيام منظمة بديلة عن منظمة التحرير كما كانوا يسعون لذلك وبما يتكامل مع كل الحروب التي شنتها دولة الاحتلال على المنظمة في لبنان وفي ملاحقة و اغتيال ممثلينا وسفراؤنا في أوروبا ضمن حالة المعركة والصراع الأمني مع دولة الاحتلال إلى جانب اضطهاد شعبنا والعدوان المستمر على مقراته حركته الوطنية في الوطن المحتل آنذاك، بشكل يشابه لما سعى الاحتلال له من خلال تشكيل روابط القرى ومن ثم البلديات المعينة بعد حوادث الاعتداء على رؤساء البلديات الوطنين الذين فازوا على رأس الكتل الوطنية عام ٧٦.

 

والجميع يذكر تلك الاعتداءات التي قامت بها جماعة الإخوان ضدَّ المؤسسات الوطنية آنذاك في غزة الحبيبة، أذكر منها الاعتداء ضدَّ جمعية الهلال الأحمر التي كان يرأسها الراحل الكبير د.حيدر عبد الشافي وغيرها من المؤسسات التي تم الاعتداء عليها بالحرق، ومن منا لا ينسى أحداث جامعة بيرزيت أوائل الثمانيات التي تمثلت بمحاولات الاعتداء علينا بالحركة الوطنية الطلابية، ومن ثم في جامعات أخرى.

 

لم يكن الإخوان أبدًا جزء من حركة التحرر الوطني لا بفلسطين ولا بالعالم العربي، لم يروا أنفسهم كجزء من مشروع تحرري ضدَّ الاستعمار، وإنما حركة تعمل من أجل فرض أجندة سياسية بغلاف ديني بدعم من جهات خارجية منذ نشاتها. 

 

هذا ليس شيئًا لم يكن ولم يعد مخفيًا، وبالتالي المراهنة الإسرائيلية والأمريكية لشق وحدة وشرعية التمثيل الفلسطيني هي محاولة تعتبر تتويجاً لحالة مستمرة فاشلة كانت قائمة منذ عقود، لكن هذه المراهنة ربما تكون هي الأخطر والأكبر اليوم في ظل المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لتنفيذ ما يسمى بصفقة القرن وضم مناطق من أراضي دولتنا المحتلة في محاولة لتصفية القضية وتمرير المشروع الصهيوني الاستعماري في كل أرض فلسطين التاريخية. إن شعبنا و قيادتنا الوطنية في منظمة التحرير الفلسطينية قادرين على إفشال كل ما يخطط له كما تم إفشال حلقات عدة من المؤامرة سابقًا في معارك صمودنا، والتاريخ لن يقف عند حدود معينة ثابته، فالمتغيرات وحراك الشعوب من أجل الديمقراطية والعدالة والتحرر لا بد أن ينتصر في وجه اليمين الرأسمالي المتوحش كأداة أصبحت فاشلة في استمرار تحقيق أهدافها من إدامة الاضطهاد والعنصرية والاستعمار والاحتلال.

 

مروان اميل طوباسي