في الحروب والصراعات بأشكالها المختلفة بين الأعداء، يسعى كل طرف لاستخدام أسلحته وأوراقه في مواجهة الطرف الآخر لتحقيق النصر، ولا يتورع أي منهما عن اللجوء لكل الوسائل والسبل لتحقيق أهدافه، أو على أقل تقدير وقف هجوم العدو، وتقليل الخسائر إلى الحد الأقصى الممكن وفقًا لموازين القوى، وارتباطًا بحسابات وبرنامج هذا الفريق أو ذاك.

العدو الصهيوني ومن خلفة إدارة ترامب يسعيان لتبديد وتصفية القضية الفلسطينية، وبالتلازم مع ذلك إنهاء عملية السلام، وتأبيد الاستيطان الاستعماري على أرض فلسطين التاريخية، ضاربين عرض الحائط بمرجعيات السلام والشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الصهيوني، وفي جبهة المواجهة على أكثر من مستوى وصعيد لتنفيذ صفقة ترامب نتنياهو (القرن) وعنوانها الرئيس الضم للقدس العاصمة والأغوار الفلسطينية. لذا لجأ كل من إدارة الأفنجليكاني العنصري وحكومة الصهيوني والعنصري لاستخدام أسلحة عديدة لإخضاع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لمشيئتهما، وانتزاع "استسلام مجاني" لتحقيق هدف الاستعمار الصهيوني الإحلالي الإجلائي على حساب حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والتاريخ والهوية، وكمقدمة لترجمة خيار الترانسفير للأردن وتنفيذ الوطن البديل. لكنهما حتى اللحظة الراهنة، وفي المستقبل بكل مراحله لن يتمكنوا من انتزاع أي اعتراف بمخططهم الإجرامي الاستعماري، بل العكس صحيح، سيكون مصيرهم ومشاريعهم مقبرة التاريخ.

ومن بين الأسلحة التي استخدمتها الصهيونية ومن خلفها الغرب الرأسمالي تاريخيًا، كان سلاح العملاء، والقوى المأجورة والتي ساهم الغرب في تأسيسها تحت أسماء وعناوين دينية وغير دينية، لتكون رديفًا في تطبيق المخطط الاستعماري على أرض فلسطين العربية، وقد كتبت أكثر من مرة عن دور الإخوان المسلمين في التآمر على المشروع القومي العربي النهضوي، وعلى قضية العرب المركزية، لا سيما وأنهم كانوا جنبًا إلى جنب مع بعض أهل النظام الرسمي العربي في تنفيذ المشروع التصفوي، ويساعدهم في ذلك العملاء الصغار ووكلاء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والأميركية في الساحة الفلسطينية.

ولا أضيف جديدًا للقارئ، عندما أؤكد أن الغرب يمنح أولئك المتآمرين غطاء من خلال إعطائهم كرتًا مفتوحًا في رفع الشعارات الديماغوجية الكاذبة، والادعاء بمحاربته إسرائيل الاستعمارية، مقابل ذلك تقوم تلك القوى بتنفيذ الدور والوظيفة التخريبية المنوطة بها لتدمير المشروع والهوية الوطنية، ومن مهامها: أولاً عدم الاعتراف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد؛ ثانيًا تمزيق وحدة الأرض والشعب والقضية والمشروع الوطني، وهو ما حصل أواسط عام 2007 عندما قامت حركة الانقلاب الحمساوية باختطاف قطاع غزة من حاضنة الشرعية الوطنية؛ ثالثًا رفض كل صيغ الوحدة الوطنية، والإصرار على بيع الوطن والقضية مقابل بناء إمارة ساقطة وسوداء على حساب عملية التحرر الوطني؛ رابعًا القيام بشكل متواتر، ومتواصل بنشر الأكاذيب والادعاءات المغرضة، وشن حملات التحريض على قيادة منظمة التحرير عموما وشخص رمزها الأول الرئيس محمود عباس خصوصا، كما كانوا يفعلون قبل رحيل الزعيم أبو عمار، وتأليب الجماهير عليها من خلال عمليات الدس الرخيصة والمفضوحة؛ خامسًا تشويه صورة النضال الوطني على المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، والذي يصب مباشرة في أهداف الأعداء؛ سادسًا ضرب عملية السلام الممكنة والمقبولة من خلال رفع شعارات لا تمت للحقيقة بصلة؛ سابعًا استخدام أداة الإخوان المسلمين فرع فلسطين (حركة حماس) كذراع لتوريط الشعب الفلسطيني في الصراعات البينية العربية العربية، وداخل حدود كل شعب ودولة عربية بهدف الإساءة للشعب والقضية والمنظمة، ولتحريض الشعوب الشقيقة على فلسطين وشعبها وقيادتها الشرعية. والأخطر كان ومازال حتى الآن في استخدامها أجهزتها وميليشياتها العسكرية في الاعتداء على الجيوش والمؤسسات الأمنية العربية، حيث مثلت حركة الانقلاب الحمساوية رأس حربة لما سُمي "الربيع العربي" الأميركي الصهيوني عام 2010 /2011.

ما تقدم بات واضحًا وجليًا للكل الفلسطيني والعربي والإسلامي إلا من كان شريكًا وجزءًا من عملية التآمر على المشروع الوطني والمشروع القومي العربي. ومع ذلك تحتاج الضرورة بشكل دائم لتسليط الضوء على أخطار مشروع وأداة الإخوان المسلمين في فلسطين وتفرعاتها العربية، وغيرها من الأدوات المأجورة في أوساط الشعب الفلسطيني، التي أعدتها وجهزتها ودفعتها حكومة إسرائيل الاستعمارية للعبث بالداخل الفلسطيني من خلال تكثيف عمليات التخريب داخل المدن والقرى الفلسطينية، ومواصلة عمليات التحريض بإسم الدين مرة، وبإسم "الوطنية" مرة أخرى، والتي كان آخرها قبل أيام، عندما تجرأ إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس على الافتراء، والتطاول على القيادة الوطنية، عندما نطق كفرًا في خطبة الجمعة الموافق 5/6/2020 في أحد مساجد جماعة الإخوان المسلمين، مدعيًا أنه آن الآوان لوضع حد "لاختطاف منظمة التحرير"؟! وطبعًا لم يأت الهجوم الأكثر فجورًا ووقاحة محض الصدفة، أو ردة فعل آنية، لا جاء الهجوم كجزء من المخطط الترامبي النتنياهوي والإخواني المشترك، وخدمة لهم مقابل الاحتفاظ بالإمارة في محافظات غزة الجنوبية، التي لا تزيد مساحتها عن 362 كم 2. ومع ذلك سأسأل إسماعيل هنية، هل أنت وحركتك تعترفون بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعيًا ووحيدا للشعب الفلسطيني؟ وإذا كنتم تعترفون بها، لماذا لم تنضووا تحت لوائها؟ وهل المشكلة في الحصص أم في الخلفيات والأهداف، التي وجدتم في الساحة من أجلها؟ وهل أنتم مستعدون لدفع فاتورة النضال الوطني التحرري؟ لماذا رفضتم تطبيق وترجمة اتفاقيات المصالحة وخاصة اتفاق أكتوبر 2017؟ وإذا كنتم حريصين على الوطن والشعب لماذا على أقل تقدير ترفضون تشكيل قيادة ميدانية في محافظات الوطن لتجسير الهوة بينكم وبين قوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية عمومًا وحركة فتح خصوصًا، ولمواجهة صفقة القرن وعملية الضم؟ وقبل ذلك، لماذا حاولتم ومازلتم تحاولون تشكيل أطر بديلة عن منظمة التحرير؟

باختصار ما أعلنه رئيس حركة حماس، لم يكن من فراغ، ولا هو نزوة، إنما هو جزء من الهجوم المنظم والمخطط له مع دولة الاستعمار الإسرائيلية مقابل فتات الإمارة وعلى حساب المنظمة والوطن والدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967. ومع ذلك أؤكد لهنية والزهار والحية وأبو مرزوق والسنوار وغيرهم، أن قافلة منظمة التحرير تسير، والكلاب ستبقى تعوي، ولن تعطيكم  إسرائيل شيئًا، حتى الإمارة ستدمرها، وستتعامل معكم كما كل الجواسيس العرب وغيرهم من جواسيس الأمم تمص دماءكم، ثم تلقي بكم إلى مزبلة التاريخ.