يدور في أوساط النخب الإسرائيلية الاستعمارية حوار صاخب حول قرار حكومة نتنياهو غانتس ضم حوالي 34 % من القدس العاصمة الفلسطينية والأغوار، فضلاً عما يتم تداوله في الأوساط العالمية بشأن الموقف الاستعماري. ولوحظ أن هناك حالة إرباك داخل حكومة الرأس ونصف لجهة الالتزام بما أعلنه رئيس الحكومة، وفق ما تم الاتفاق عليه بين حزبي "الليكود" و"حصانة إسرائيل" بضرورة الشروع بالضم في مطلع تموز/ يوليو القادم 2020.

وجاء التردد والتعثر الاستعماري بعد تزايد حدة الأصوات الإسرائيلية من الموالاة والمعارضة وخاصة من الأوساط الأمنية والعسكرية عمومًا، التي لا ترى فائدة ترجى من الضم، كونها تعتقد، أن الخسائر السياسية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية أكبر بكثير من الأرباح. وتفضل بقاء الحال على ما هو عليه حتى لا تختلط الأوراق.

لا سيما وأنها ترى أن إسرائيل تحصل ما تريد دون كل هذه الجعجعة ذات الخلفية الشخصية، التي يديرها رئيس الوزراء الفاسد، والذي بدأت محاكمته. لكن قطعان المستعمرين قبل اللقاء مع ملك إسرائيل الفاسد ورئيس الكنيست، ياريف ليفين يوم الثلاثاء الماضي الموافق 2/6/2020، وأثناءه وبعده رفضوا رفضًا قاطعًا التأجيل، وطالبوا بالشروع فورا بعملية الضم، ولم يلتزموا بما تعهدوا به لرئيس الوزراء، وقاموا بإصدار وتعليق بوسترات في شوارع وساحات تل أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية ترفض صفقة ترامب نتنياهو، وتهاجمه، لمجرد ذكر الصفقة المشؤومة مفهوم الدولة الفلسطينية، مع أن الحقيقة تؤكد، أنه لا توجد دولة، ولا ما يحزنون، بل هناك بانتوستانات متناثرة كقطعة الجبن السويسرية. 

وموقف قادة الاستعمار الاستيطاني، هو الموقف الأكثر تأثيرًا على الحاوي الإسرائيلي، لأنه يريدهم أن يبقوا خلفه، داعمين له في مواجهة القضاء والخصوم السياسيين داخل الليكود والحكومة، وخارجهما في الشارع الإسرائيلي. لكن بيبي أيضًا لم يستطع تجاوز الأصوات الأمنية العسكرية، ولا الأصوات الإقليمية والدولية.

لا سيما أن هناك أصواتًا مؤثرة في القرار الإسرائيلي، ومنها الاتحاد الأوروبي، الذي يعارض كل أعضائه الضم باستثناء المجر، أضف إلى أن ألمانيا تشعر بالحرج الشديد من الموقف الإسرائيلي الداعي للضم، لأنها ستتولى خلال الفترة القادمة رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، وأيضًا رئاسة مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي يربكها، ويحول دون تمثيلها لدورها التاريخي الداعم لإسرائيل في المنابر الأممية والأوروبية. كما لم يقو على غض الطرف عما يدور في الولايات المتحدة بعد قتل الأسود، جورج فلويد، وتأثير ذلك على الرئيس ترامب والإدارة كلها.

الذي شعر بطعنة قوية من المستعمرين الإسرائيليين، وعدم وفائهم للدور الخطير، الذي قام ويقوم به من أجل التماهي مع المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.

لهذا دخل العديد من الأوساط والوسطاء الإسرائيليين والدوليين على خط ضبط إيقاع الموقف، وأمسكوا العصا من المنتصف، عندما طالبوا نتنياهو غانتس بتأجيل الضم في الشهر القادم.

الأمر الذي أثار ويثير الكثير من التساؤلات والاستنكار والاستغراب، هل المشكلة في الضم تتعلق بالتوقيت، أم في أنها مشكلة استراتيجية تهدد السلام الممكن والمقبول المستند إلى حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؟ وما هي قيمة التأجيل؟ ولماذا التأجيل؟ هل تريد بعض الأوساط الدولية تمرير وتجريع قطعان المستعمرين ومن والأهم الموقف بالقطارة؟ وهل يقبل أولئك العنصريون المتغطرسون مبدأ السلام، أم يرفضونه من حيث المبدأ، ويعملون من أجل بناء "دولة إسرائيل الكاملة" على أرض فلسطين التاريخية، وتطهيرها عرقيًا من أصحابها الأصليين؟ وإذا وافق نتنياهو على التأجيل، هل تكون المشكلة انتهت، أم أبقت النيران متقدة تحت الرماد؟ من يرد السلام، ويتبنى خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 فعليه أن يكون واضحًا وصريحًا مع قادة إسرائيل الاستعمارية. لأن المواقف المتأرجحة، والمترددة والمتلعثمة لن تخدم خيار السلام، ولن توقف عجلة الإرهاب الصهيوني والفوضى.

وبالتالي المطلوب وقف الضم كليًا، وإسقاط صفقة القرن الترامبية النتنياهوية مرة وإلى الأبد،  ووقف كل السياسات والانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وتأمين الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني، والاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.