رام الله –

فاجأ الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس الحاضرين في مؤتمر صحافي بعد لقائه الرئيس محمود عباس عندما أورد اسم مبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير ضمن 3 شخصيات اتصلت به قبيل اجتماعه بالرئيس، وهي، إضافةً إلى بلير، كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.

 

ولم تخف وزارة الخارجية الأميركية ولا الحكومة الإسرائيلية أنهما تضغطان على كولومبيا، العضو في مجلس الأمن الدولي، لرفض الطلب الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، لكن وإن كان بلير هاجم خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن اتصاله مع الرئيس الكولومبي كان مفاجأةً.

 

ولم يكن الغضب الفلسطيني على مبعوث اللجنة الرباعية الدولية ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وليد الاتصالات الأخيرة، بل تعود جذوره إلى اللحظة التي بدأ فيها مفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لتخفيف الحصار المفروض على غزة بدلاً من رفعه نهائياً.

 

ولكن يمكن اعتبار الأزمة الأخيرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبلير الشعرة التي قصمت ظهر البعير وإن كانت السلطة الفلسطينية لم تتقدّم حتى اللحظة بطلب رسمي إلى اللجنة الرباعية من أجل استبداله حتى وإن كان يحظى بالثقة الكاملة من قبل الإدارة الأميركية ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون.

 

وقد جاء بلير إلى منصبه هذا بعد أن استقال منه رئيس البنك الدولي السابق جيمس ولفنسون بصلاحيات هي في مجملها اقتصادية تنموية، ومع ذلك فإن رئيس الوزراء البريطاني السابق لم يستسلم لهذا التفويض وبقي يسعى من أجل دور سياسي، مستغلاً في ذلك علاقاته مع الدول الكبرى.

 

كان ولفنسون اختار فندق (الأميركان كولوني) في القدس الشرقية مقراً لمكتب مبعوث اللجنة الرباعية، وعندما تولّى بلير هذا المنصب ثارت تساؤلات عن الموقع الذي سيختاره مقراً له، فأبقى على الفندق مقراً له ولكن مع توسّع كبير بأجرة سنوية كبيرة جداً تصل وفقاً لتقارير نشرتها صحف بريطانية إلى نحو مليون دولار.

 

استدعى هذا القرار إجراء تغييرات واسعة في ترتيبات الأمن في الفندق إلى أن قرر بلير استئجار بناية في حي الشيخ جراح ملاصقة لفندق (الإمبسادور) يقال إنها أقل كلفةً من فندق (الأميركان كولوني).

 

ولا يقيم بلير بشكل دائم في القدس، إذ يزور المنطقة لعدة أيام على الأقل مرة شهرياً يلتقي خلالها المسؤولين في كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، قبل أن يعود إلى بريطانيا، حيث يقيم مؤسسات خيرية، فيما تعاقد مع شركات كمستشار ويلقي محاضرات يتلقى مقابلها مبالغ كبيرة.

 

ولكن يقيم في مقر مكتب مبعوث اللجنة الرباعية في القدس طاقم كبير يضم خبراء في المجالات الاقتصادية والمالية والتنموية يتابع بشكل يومي تفاصيل الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ويتدخل كلما استدعت الحاجة لتقريب وجهات النظر الفلسطينية - الإسرائيلية في هذا المجال.

 

وحتى الآن، فقد استعان بلير وللمرة الثانية بدبلوماسيين أميركيين سابقين لمنصب القائم بأعمال مبعوث اللجنة الرباعية ليدير أعمال المكتب في غيابه.

 

طبيعة المهمة الاقتصادية التي يتولاها بلير استدعت منذ تولي نتنياهو رئاسة الوزراء في إسرائيل اشتباكاً مع السلطة الفلسطينية، خاصة أن نتنياهو جاء إلى منصبه ببرنامج السلام الاقتصادي الذي رأى كثيرون أنه يتقاطع إلى حد كبير مع مهمة بلير.

 

وكان الفلسطينيون أعلنوا رفضهم 'السلام الاقتصادي' الذي روّج له نتنياهو، فأكدوا أن المطلوب أساساً هو حل سياسي تأتي التنمية الاقتصادية استكمالاً له وليست بديلاً عنه.

 

مع بروز أزمة مهاجمة قوات كوماندوز إسرائيلية لأسطول الحرية الذي كان في طريقه إلى غزة، وقتل هذه القوات 9 من النشطاء الأتراك، برزت توقعات بأن تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى رفع الحصار عن قطاع غزة من أجل امتصاص موجة الغضب الشعبية التي سادت دول العالم، بعد أن اتضح للمرة الأولى حجم معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة.

 

وزادت حادثة أسطول الحرية من تعاطف الشعوب في العالم مع قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع؛ ما جعل أصواتاً تعلو في العالم مطالبةً برفع الحصار.

 

هنا برزت إشكالية بلير الأولى عندما عقد مفاوضات مكثفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل تخفيف الحصار عن غزة وليس رفعه نهائياً، فكان أن تناولت المفاوضات قوائم سلع أفضت إلى إعلان الحكومة الإسرائيلية أولاً عن تغيير سياستها تجاه قطاع غزة ولاحقاً، بعد عدة أشهر، أعلنت عن استبدال القوائم الإيجابية بقوائم سلبية، بمعنى أنها استبدلت قوائم المواد المسموح بإدخالها إلى غزة، وهي قليلة، بقوائم للمواد التي يمنع إدخالها إلى غزة، وهو ما زاد من نوعية وكمية البضائع التي تدخل إلى غزة، ومع ذلك فقد بقي الحصار مستمراً.

 

هذه المفاوضات استدعت انتقادات فلسطينية حادة ضد بلير إلى حد دعا فيه نشطاء فلسطينيون إلى اعتبار رئيس الوزراء البريطاني السابق شخصيةً غير مرغوب بها في الأراضي الفلسطينية.

 

وقد وجه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث انتقادات حادة ضد بلير واصفاً إياه بالمدافع عن سياسة نتنياهو في حصار قطاع غزة، إذ أشار إلى أن الرزم التي أعلن عنها بلير ونتنياهو إنما استهدفت تجميل الحصار الإسرائيلي وليس إنهاءه.


سعى بلير إلى تبديد هذه المخاوف، فتضمنت الرزمة الثانية التي توصل إليها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مشاريع تسمح الحكومة الإسرائيلية بتنفيذها في الضفة الغربية وللمرة الأولى فإنها تضمنت أيضاً مشاريع في القدس الشرقية.


ومع ذلك، فقد استمرت علامات التوتر، ولوحظ أن الرئيس محمود عباس لم يكن يستقبله بالوتيرة المتوقعة لمسؤول غربي يمثل أطراف اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة).

ولم يحظ بلير أبداً بصلاحية لعب دور سياسي في العملية السياسية، إذ أبقت الولايات المتحدة الأميركية على مبعوثها لعملية السلام السيناتور جورج ميتشل ولاحقاً ديفيد هيل، وأبقت الأمم المتحدة على مبعوثها روبرت سيري، كما أبقت روسيا على مبعوثها سلطانوف، وإن كانت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون قررت وللمرة الأولى الاستغناء عن منصب مبعوث الاتحاد الأوروبي واحتفظت بهذا الموقع لها ولطاقمها.


وثمة من يشير إلى دعم مطلق تمنحه آشتون لبلير من خلال التنسيق المتواصل معه إلى حد أن أحد المسؤولين الفلسطينيين قال: إن 'آشتون تعمل لحساب بلير الذي يعمل لحساب المسؤول الأميركي دينيس روس الذي بدوره يعمل لصالح إسحق مولخو مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي'.


قبيل توجه الرئيس عباس إلى نيويورك لتقديم طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، اتصلت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وطلبت منه استقبال بلير والاستماع إلى ما لديه من أفكار.


قدوم بلير إلى مقر الرئاسة الفلسطينية جاء بعد فشل متدحرج للجنة الرباعية التي أخفقت عدة مرات في عقد اجتماع على المستوى الوزاري ولاحقاً أخفقت في إصدار بيان يصلح أساساً لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وإن كانت اللجنة أصدرت بياناً خلا من أي مضمون ذي معنى تم، فلسطينياً، اتهام بلير بالمسؤولية عنه وإن كان الأخير نفى هذا الاتهام، مشيراً إلى أنه شخصياً لا يصوغ بيانات الرباعية.


في الاجتماع مع الرئيس عباس طرح بلير مقترح لبيان يصدر عن اللجنة الرباعية سجل عليه المسؤولون الفلسطينيون ثلاث ملاحظات وهي: أولاً، أنه يتحدث عن خطاب الرئيس الأميركي أوباما الذي دعا إلى مفاوضات على أساس دولة على حدود 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي ولكنه ينسف ذلك في فقرات لاحقة بالحديث عن أخذ الحقائق التي نشأت على الأرض بعد العام 1967 بعين الاعتبار. وثانياً، أنه لم يتضمن وقفاً للاستيطان. وثالثاً، أنه تحدث عن الاعتراف بيهودية إسرائيل.


لم يقبل الرئيس عباس بهذه الصيغة ورد بموقف من ثلاثة عناصر، وهي: أولاً، الإقرار الإسرائيلي بحدود 1967 لتطبيق حل الدولتين. وثانياً، وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية. وثالثاً، إنه لا اعتراف بيهودية إسرائيل وإنه في حال الموافقة على هذه المبادئ فإن الجانب الفلسطيني سيعود إلى المفاوضات.

غادر بلير المقر الرئاسي الفلسطيني بتأكيده أنه سيعود قريباً حاملاً معه صيغة مقترحة لصدور بيان عن الرباعية.


كانت اقتراحات بلير متقاربةً إلى حد كبير مع مسودة البيان التي حاولت قبل ذلك الولايات المتحدة أن تمررها في اجتماع اللجنة الرباعية وأخفقت بعد أن عارضتها روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

في تلك الأثناء تعززت قناعات الفلسطينيين بأن بلير يعمل على ترويج الأفكار الإسرائيلية - الأميركية وأنه يعمل، بجهد، من أجل جلب آشتون إلى جانبه.


وإن كانت مكالمة كلينتون للرئيس عباس حول استقبال بلير قد أكدت أن بلير قادم في مهمة أميركية بالأساس، فإن قدوم المبعوثين الأميركيين ديفيد هيل ودينيس روس إلى مقر الرئاسة برسالة واضحة تؤكد دعم الإدارة الأميركية لمهمة بلير قد عززت هذا الأمر.

الاعتقاد الذي ساد هو أن ما أخفقت الولايات المتحدة الأميركية بتمريره في اجتماع اللجنة الرباعية أراد بلير أن يمرره باعتباره نتاج جهوده.


بعد عدة جلسات تفاوضية مع نتنياهو، استقبل الرئيس عباس بلير في العاصمة الأردنية، بعد عودة الرئيس من اجتماع للجنة المتابعة العربية عقد في القاهرة، وهناك قدم بلير مقترحه الذي لا يختلف عن الاقتراح الأول وإن كان ببعض التلاعب بالكلمات مثل بدلاً من الدعوة الصريحة للاعتراف بيهودية إسرائيل استخدام عبارة 'إسرائيل، الوطن القومي للشعب اليهودي'.


وإن كان بلير يتحرّك بصفته مبعوثاً للجنة الرباعية الدولية، فإن أطرافاً أساسيةً في هذه اللجنة مثل روسيا والأمم المتحدة لم تكن في الجلسات مع القادة الفلسطينيين تطرح ما يطرحه بلير، ومن ناحية ثانية، وإن كانت آشتون تدعم بلير، فإنه ليس هذا ما استمع إليه المسؤولون الفلسطينيون من دول أساسية في الاتحاد الأوروبي ما يشير إلى أنها ليست مواقف إجماع أوروبي.


منذ تلك اللحظة بدأ التعامل مع بلير باعتباره ليس مبعوثاً للجنة الرباعية وإنما مبعوث للمسؤول الأميركي دينيس روس، فقد قال مسؤول فلسطيني: 'بلير جاء ليروج أفكاراً كتبها روس مع مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق مولخو'.


آنذاك لم يكن بلير ليحسد على الوضع الذي وصل إليه في عيون الفلسطينيين.

ولكن ليزيد الطين بلةً، فإن بلير أطلق تصريحات شديدة اللهجة ضد خطاب الرئيس عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو ما لم تفعله لا الولايات المتحدة ولا أوروبا وبطبيعة الحال لا الأمم المتحدة ولا روسيا.

بدأت التصريحات الفلسطينية تتصاعد بوجوب مقاطعة بلير وتحولت لاحقاً إلى دعوات لاستبداله ولكن حتى الآن لا يوجد طلب رسمي لاستبداله.


عندما سألنا الرئيس عن الموقف الرسمي من بلير فإنه قال: 'هناك ملاحظات على توني بلير ولكنه يبقى مبعوث اللجنة الرباعية ونتعامل معه على هذا الأساس، هناك أناس أوردوا عليه ملاحظات كثيرة ولكننا كسلطة نتعامل معه كمبعوث للجنة الرباعية'.