كان اجتماعاً مفاجئاً، حينما تمت دعوتنا إليه في ظل ظروف فيروس كورونا الذي يحيط بنا من كل حد، التقينا بحذر، وضعنا الكمامات وإلى حديقة الجامعة جلسنا متباعدين، تحت الشمس، الأمر كله مختلف، اجتمعنا مع رئيس مجلس أمناء الجامعة ومجلس العمداء، الكل يتساءل، الكل حائر: أين نحن؟ وإلى متى التعليم يتوقف والمستقبل خفي؟ مستقبل طلابنا في رقابنا، علمنا بأن الأزمة ستطول، بدأنا نجمع عتادنا، امكانياتنا الفنية، خبراتنا، إمكانيات الطلبة وغيرها من الأمور التي لم تكن مجهزة مسبقًا، الوقت يصارعنا ولا وقت للتحضير، الأمر يتطلب تجهيزات فنية، وتدريبا للمحاضرين، حسابات خاصة للطلبة وتدريبًا ولو كان بسيطًا، كل ذلك يجب أن ينتهي في أيام.

التردد بدا واضحًا لدى البعض، قد تكون الواقعية، ولكن لا خيار آخر، الهدف هو إكمال العملية التعليمية بأي وسيلة، انتهى الاجتماع، البعض يتخبط في عقله من أين نبدأ، استعدت خبرتي في التكنولوجيا بحثت في أسرع الحلول وأبسطها، وجدنا الوسيلة للتعليم الإلكتروني، كنا قد قمنا بأكثر من تجربة في عدة أنظمة، ولكن الوقت لا يسعف، المطلوب الأسرع، الأسهل، الأقل حاجة للموارد التقنية، الأقل تكلفة والأكثر استمرارية، بعض الخطط تغيرت في اللحظات الأخيرة، وأخيرًا وجدنا ضالتنا، بدأنا نغرس الأوتاد في الأرض، وضعنا الخطة، درسنا جميع جوانبها في سرعة وفي يوم واحد تم عمل حسابات الطلبة لما يزيد عن 1450 طالبًا، وقمنا بعمل تسجيل حلقات تدريبية لجميع جوانب أنظمة التعليم الإلكتروني التي قمناباستخدامها، سرنا خطوة خطوة ولكن بسرعة، وتابعنا خطتنا.

في اليوم التالي بدأت الأطراف المعنية بالاتصال، تطلب نتائج عمل اليوم الأول لتكمل معنا العمل، العمل الجماعي مطلوب لن يستطيع أحد أن يعمل وحده في هذه الظروف، واجهتنا المشاكل كما هي الحال مع أي عمل جديد، ولكننا أوجدنا حلها بسرعة أكاد لا أذكر أنني فكرت فيها حتى، كان الحل يسبق التفكير فيه.

عدنا إلى الخطة ورسمناها بدقة ووضعنا التوقيت وأكملنا عمل الحلقات التدريبية، كل شيء كان يشكل تحديًا لنا، كل شيء كان "أول مرة"، حتى هذه الحلقات، كانت صعبة جدا وسط الزحام في رأسي، إنه الضجيج الذي لا مفر منه، الوقت سريع ولا يكفي لشيء، من أين أبدا؟ وأين أكمل؟ تكلم بهدوء، تكلم في المهم، رتب الأفكار ولا تتزحزح من مكانك حتى تنتهي الحلقة.

الأيام تسير بسرعة، لن أستطيع أن أتذكر في أي منها كنت، ولكنني أذكر أنني لم أنم ليلة الا وعقلي يتخبط: من أين ابدأ غدًا؟ هكذا بدا اليوم الذي يليه، بدأت العجلة تسير، وكأنه السوق يفتتح محلاته ويستقبل الزبائن، بدأت الأصوات تعلو، بين عالق ومساعد، وفي كل مرة كانت تصلنا مشكلة كنا نوفر لها الحل النهائي، مشكلة الفرد ستكون مشكلة الجميع ولذلك فالحل لا يصح أن يكون مؤقتًا.

انتهى اليوم، ذهبت أراجع الاحصائيات ونتائج العمل، صدمت مما رأيت، 970 طالبًا قام بالدخول إلى النظام والعمل فيه، لم أتوقع بأن عمل الحسابات وتوزيعها وتدريب جميع الأطراف وابتكار حلول للمشكلات الآنية في عدة أيام قد يخرج بهذه النتائج، أخبرت الإدارة بما رأيت، بدا ذلك مبشراً جداً، لم يتوقع أحد أن نصل إلى هذه النتيجة، البعض كان يعمل في شك، ولكنه كان يعمل، النتائج غيرت تفكير الكثير، المتردد واثق الآن، الكل يعمل، الكل يعلم بأن النتيجة جيدة ولن يضيع تعبنا هدراً.

أخيراً، بدأت شمس الصباح تصعد في السماء، كأنها شمس العيد، الكل يعمل على ما أنجزناه، الآن نبتسم ونفتخر، ما زال العمل في بدايته، ولكننا بنينا الأساس الصحيح وما تبقى هو استكمال العمل على هذه الأنظمة والإلتزام بتعليمات إدارة الجامعة، ستدور العجلة ولن نعود للخلف.

هكذا بدت الأيام الأولى في جامعة الإستقلال، عندما قررنا المضي قدماً نحو استخدام أنظمة التعليم الإلكتروني في ظل أزمة الكورونا وفي ظل التباعد الجغرافي وصعوبة اللقاء، لم تكن التجربة الأولى بالنسبة لي ولكنها الأكثر تأثيراً في نفسي، لما حققناه من قفزة تسجل في تاريخ الجامعة.

أؤمن بأن لكل مجتهد نصيب، وأن العمل الجاد بالتأكيد لن يجلب إلا النتائج الجيدة ولن يضيع تعب أحد ما دامت النية هي الخير، مصلحة الجميع وبناء الوطن.

بقلم: منجد أبو بكر