يومان مرّا على الحجر المنزلي، وباقٍ من زمن هذا الحجر، ما يمكن اعتباره برهةً قصيرة، كمثل برهة شهر رمضان الفضيل، الذي ما إن يطل حتى يغادر، نعني أنّ الزمن يظلّ عابرًا على نحو مطلق، وليس في هذا اكتشاف جديد، لكنّ الحكمة تقتضي ألا ننسى ذلك، خاصة في وقت الشدة، وطالما استشهدنا بشهر رمضان، لعلّنا نرى في الحجر المنزلي، صيامًا من نوع آخر، وله أجره، لغاياته الإنسانية النزيهة، فهو صيام الوقاية من خطر الجائحة، التي يُشكِّلها فيروس "كورونا"، والله تعالى أدرى وأعلم.
نصوم عن التجوال، منعًا للاختلاط، الذي تقول كل التقارير الطبية إنّه الوسيلة الأخطر، لتفشي "الكورونا" الذي هو تاج المرض (!!!) الذي يريد الإطاحة بتاج الصحة، من على رؤوس البشر أينما كانوا.
والواقع، ومن جولات للصحافة، في مختلف محافظات الوطن، ثمة صوم لافت عن التجوال، نعني أنّ التزام المواطنين بالحجر المنزلي، يكاد يكون شاملاً، وهذا يعني تكاملاً في تحمُّل مسؤوليات التصدي لفيروس "كورونا" بين المواطنين وعقدهم الاجتماعي، بكل مؤسساته وأجهزته الخدمية، الصحية والاقتصادية والأمنية والإعلامية، وعلى هذا النحو، يجسّد شعبنا وعيًا متقدّمًا في هذا الإطار، وقد أدرك العقد الاجتماعي، عقد تكافل وتكامل.
ولا شك أنَّ فلسطيننا اليوم، قيادةً، وشعبًا، وحكومةً، تُسجّل للتاريخ تجربة خلّاقة في التكافل المنتج بين المواطن والمسؤول مثلما تسجّل للتاريخ دورها الحضاري، في تنورها الإنساني، بالتصدي لجائحة "كورونا" على نحو فاعل، وطني، وإقليمي، ودولي مسؤول، رغم أنّها واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يجعل دروبها في الحياة سالكة!! فإجراءات الحكومة الفلسطينية، هي إجراءات تتجاوب مع الإجراءات الإقليمية والدولية، التي سبقنا باتّخاذها بإعلان حالة الطوارئ التي قرّرها الرئيس أبو مازن، وهو سبق يؤكد دور وحقيقة فلسطين الدولة، بتحمل مسؤولياتها الإنسانية، في مواجهة جائحة "الكورونا" التي تستهدف البشرية كلّها.
وقد أكّد الرئيس أبو مازن أمس هذا الدور برسالته إلى أمين عام الأمم المتحدة من أجل تنسيق الجهود الدولية للتصدي للفيروس ومواجهة تداعيات الأزمة التي يخلّفها.
كل يوم يمرّ على الجائحة، هو يوم من أيام رحيلها الذي لا بدّ أن يكون نهائيًّا، بعد برهة من الزمن، ستظلُّ قصيرةً مهما طالت، والصبر كما نعرف مفتاح الفرج.