قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، أسقط وإلى الأبد قناع ديمقراطية إسرائيل، وأبرز الوجه الحقيقي لمنظومة الاحتلال والاستعمار الصهيونية العنصرية، كما وجه ضربة قاتلة لخطاب نتنياهو السياسي الموجه لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فهذا قد قال وكتب كثيرًا: "إن إسرائيل تدافع عن قيم الغرب الحضارية".
فالدكتاتورية هي المصنع الأصلي لمجرمي الحرب، ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وقد يكون ظهور الدكتاتور على عكس الصورة النمطية المعروفة بالعالم، أخطر أنواع الدكتاتوريات، والأنظمة العنصرية، التي تهدر حقوق وروح ونفس الإنسان المقدسة، وتشرعن الردع بلا حدود، فترتكب جريمة الإبادة، وتبررها بما لا يقبله ولا يصدقه عاقل، فحكومة الدولة القائمة بالاحتلال والاستعمار الاستيطاني (إسرائيل) على رأسها نتنياهو باتت – بعد قرار الجنائية الدولية – مطلوبة ليس للعدالة الأممية وحسب، بل للإجابة على السؤال الأهم عن أي حضارة غربية يتحدث نتنياهو؟! هل يقصد المعاصرة، وهو بهذا الخطاب لا يمدحها بل يتهمها، ما دام مصرًا على اعتبار جرائمه انعكاسًا للحضارة الغربية، لكنا بقراءة عقله الباطني، يمكننا الاستنتاج، أنه يتغنى بأسوأ الحروب، وجرائم الإبادة التي ارتكبت في أوروبا خلال العقود القريبة الماضية.
وقد يفهم نتنياهو الآن، أن للحضارة الإنسانية معيارًا دقيقًا، وهو احترام حقوق الإنسان بالحياة والحرية والاستقلال والسيادة، باعتبارها مقدسات، ومن هذا المعيار تتفرع عنه كل المقاييس الأخرى، لقياس نقاء الديمقراطية من الأفعال والأعمال المتناقضة معها، فحاكم الدولة الديمقراطية المطبق لمبادئها وقيمها لا يسقط في دائرة الهمجية التي تحوله لمجرم حرب، ومجرمًا ضد الإنسانية، أما العنصري المتخفي بقناعها، والمستتر بمظاهر معينة من سلوكيات الديمقراطية، فسرعان ما تنكشف أصوله، وبنيته، وتنفضح مفاهيمه المخالفة منطقيًا والمتعارضة واقعيًا مع معيار الإنسانية، وأهم نقاطه تحقيق وتجسيد العدالة والمساواة بين أبناء آدم، واعتبار دماء الأبرياء خطًا أحمر، غير مسموح لأحد تجاوزه، حيث تسقط المبررات والذرائع والتشريعات كافة، حتى لو كانت مغلفة بالقداسة، فالمقدسات في الأصل حضارية، والحضارة مبادئ وقيم مقدسة تتبناها كل شعوب وأمم الأرض، لذلك لا يمكن لأحد اختراقها، لتمرير وشرعنة وتبرير الجريمة ضد الإنسانية، ويجب فحص مدى التحريف والتزوير في مقدسات كل من يحاول، وينطبق الأمر على الديمقراطية.
قرار المحكمة الجنائية الدولية إشارة للضمائر الإنسانية، للشعوب التي أسست على قواعدها الأخلاقية دولاً حضارية وديمقراطية، وإجازة منحتها أعلى سلطة قضائية في العالم، لبدء مسيرة التحرر من عقدة الاستثناء التي استغلتها المنظمة الصهيونية بغطاء من دول استعمارية، على أساس معاناة ومآسي يهود أوروبا قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، والعمل بإخلاص ونزاهة على تطبيق العدالة على مجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانية، المحميين بنظام دولة اتخذت قوانين "معاداة السامية" لصد الشرعية الدولية عن تطبيق إرادتها وقوانينها بدون تمييز، أو المحميين (بسلاح الفيتو) الذي تستخدمه منظومة استعمارية دولية، كتاج على آلاف أطنان الأسلحة النارية المدمرة، للذين ثبت ارتكابهم جرائم حرب، وبناء على ذلك أصدرت الجنائية الدولية مذكرات اعتقال لجلبهم للمثول أمام العدالة الدولية. فاليوم نشهد أول إجراء من متطلبات محاكمة ومنظومة استعمارية عنصرية مستترة بالديمقراطية أمام عدالة الأمم الحضارية حقًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها