بالتأكيد "من افتى بغير علم فقد كفر" وعلى هذا أجمع فقهاء الأمة، مستندين إلى قوله تعالى "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون" صدق الله العظيم.

وفي الحديث الشريف "من افتى الناس بغير علم، لعنته ملائكة السماء وملائكة الارض" و"اجرؤكم على الفتيا، اجرؤكم على النار" غير أن بعض "شيوخ" الأحزاب الاسلاموية لا يلتفتون الى كل ذلك لأن غايتهم ليست العقيدة في صحيح نصوصها، ولا في غايتها التعبدية، وانما تظل هي غاياتهم حزبية التي لاعلاقة لها بالدين والتعبد ولا بمصالح الناس وحياتهم العامة، وأولها سلامتهم من كل خطر وجائحة، وليس ما فعله هذا الملتحي في قرية "شقبا"، وقد افتى بغير علم، جواز صلاة الجماعة، في زمن الجائحة، خير دليل على ذلك، فهذا الملتحي لم يكن معنيًا بالتصدي لجائحة الكورونا، وإنما بالامتثال لتعليمات حزبه، بضرب إجراءات الحكومة الرامية لمحاصرة الفيروس الخطير، وتحقيق أفضل وأجدى مستويات الوقاية منه، لتأمين السلامة للناس أجمعين، والخروج من هذه الأزمة بتمام الصحة والعافية.

وثمة حكاية من حكايات الحكمة، تتعلق باللحية، تظهرلنا كم هي المظاهر خداعة وغدارة في ذات الوقت تقول الحكاية: "أن عصفورًا عطشانًا أراد النزول إلى جدول ماء ليشرب، فرأى أطفالاً يلعبون هناك، فخاف أن يرد الجدول، إذ لربما يرميه بعض هؤلاء الأطفال بحجر، فيصيبون منه جرحًا أو مقتلاً، انتظر العصفور على غصن شجرة، حتى غادر الأطفال، ولكن في ذات الوقت، ورد شيخ ملتحٍ جدول الماء، فقال العصفور لنفسه: هذا شيخ جليل، ولا خطر منه، فنزل من غصنه ليشرب، وما أن بدأ ذلك، حتى رماه هذا الشيخ الملتحي بحجر، فأصابه بإحدى عينيه حتى أعماها، ذهب العصفور إلى الملك سليمان، يشكو أمر هذا الشيخ، فأمر الملك أن تقلع من الشيخ عينا، عملاً بمبدأ "العين بالعين، والسن بالسن " لكن العصفور الجريح اعترض على هذا الحكم، وقال للملك سليمان: يا سيدي ليست عينه من أصابتني بالحجر، وانما لحيته التي اطمأننت لها، فخدعتني، وغدرت بي، ولذا أرجو حلق لحيته حتى لا تخدع أحدا من بعدي".

ومغزى الحكاية كما يقال أن المظاهر غالبًا لا تدل على بواطنها، ولكن بالقطع ليس كل شيخ ذي لحية "كشيخ شقبا" الذي أجاز لفيروس "كورونا" أن يتجول كما يريد، ليس بين مجموعة المصلين الذين دعاهم للصلاة في مسجد القرية، وإنما بين أهلنا في القرية كلها، حماهم الله من كل مكروه وضائقة وسقم وجائحة.

لن نتبنى طلب العصفور المسكين، ولكنا ندعو لاحترام قيمة الجبة لمن يلبسها، واللحية لمن يربيها، والتي هي ليست من ضرورات المشيخة، فقد أمر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بإطلاق اللحية، لكي يخالف المؤمنون المشركين، وهذا ما ورد نصًا في الحديث الشريف "قصوا الشوارب، واعفوا اللحى، خالفوا المشركين".

آن الأوان لكي نضع حدًا للمظاهر الخداعة، وردع "الرويبضة" الذي قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بأنه الرجل التافه الذي ينطق في أمر العامة، لسنا أمام امتحان سياسي، أو حزبي، لا سلطوي، ولا نخبوي، ولسنا أمام عدو ظاهر، يريد جماعة محددة منا، وإنما نحن أمام عدو لا يرى بالعين المجردة، يريد الناس أجمعين، بعد أن بات منتشرًا في كل مكان من هذا العالم، على نحو جائحة كبرى، وسلاحنا الأمضى، في مواجهة هذا العدو، الوقاية أولا، والنظافة التي هي من الايمان، فلا مجال إذن غير البحث المستمر عن أفضل سبل الوقاية، وهذا ما تفعله الحكومة باجراءاتها، والحجر المنزلي الآن من أكثرها أهمية وجدوى.