منذ أشهر تُصارع الكرة الأرضية في كل أنحاء المعمورة غزوا فيروسياً قاسياً ينتشر ويتفشى بين الناس مثل البرق يسمى كورونا . حيث جميع المختبرات ومراكز الأبحاث العالمية لم تعثر حتى كتابة هذا المقال على مصل لعلاج هذا الفيروس، لأن طبيعة التغير المستمر للشيفرة الوراثية لهذا الفيروس تُعقّد من إيجاد المصل المناسب لشل حركة هذا الفيروس في الوقت القريب، بعيداً عما تُروّج له شركات الأدوية الكبرى و بعض ساسة الكرة الأرضية، حيث الطريقة الفعالة حالياً لمقاومة هذا الفيروس، مكوث أطول وقت ممكن بالبيت وعدم الاختلاط بالأقارب أو الأصدقاء مباشرة؛ مما يترتب على هذا المكوث المنزلي لمئات الملايين من البشر شل الحركة الإقتصادية العالمية شللاً كاملاً، مما أدت وما زالت تؤدي إلى خسائر بمئات المليارات، وهنا ليس للحصر ألمانيا التي تخسر بسبب هذا الفيروس خمسة مليارات يورو يومياً، ثم هناك بعد نفسي آخر لتفشي ذلك الفيروس، وهو الهلع والخوف من مستقبل الأيام القادمة لمفارقة كثير من المحبين؛ حيث هذا يحتاج إلى كثير من التأهيل النفسي بعد إنتهاء أزمة هذا الفيروس والسيطرة عليه، في ظل تلك الأزمة يجب أن نتذكر البعد الأخلاقي للإنسان على هذه  الأرض وانهيارات بالجملة في المنظومة الأخلاقية العالمية، التي كافأنا بها الخالق حتى نراجع أنفسنا تجاه أنفسنا ثم الآخرين . عندما نتعمق بالنواة الأولى للحياة على الكرة الأرضية وهي الأسرة، التي لا يحترم فيها الابن أمه و يشتمها في وضح النهار دون تهتز له شعرة خوفاً من الله أو خشية من ضمير نائم، ثم يضع إبنٌ بار أبيه في مسكن المسنيين بعد ان أفنى ذلك الأب عمره في بناء هؤلاء الأبناء، ثم تتوسع قليلاً بالمنظومة المجتمعية إلى الجار و ذي القربى ثم المجتمع بأكمله، وصولاً إلى الكيان الأكبر و هو الوطن، ومن ثم العلاقات الدولية ما بين الدول المبنية على الطمع و الجشع، ندرك أن الانسان كفرد خسر آخر عشرين عاماً كثيرًا من قيمته الأخلاقية و الإنسانية، والذي يعكسه سلوك الأفراد أو الدول فيما بينها، التي تتلخص في كيفية اخضاع  كلُ منا للسيطرة على الآخر دون أدنى ضابط آدمي، لنهب وسرقة قوت الآخر، متناسين هناك أشياء ومحن يجب الوقوف عليها ومعالجتها متحدين، مثل العدالة الاجتماعية الدولية ما بين البشر  كالمأكل والمشرب، ونظام تعليمي وصحي متكافئ . كل هذا خطوة أولى لترويض المنظومة الأخلاقية لتلك الأمم في المضمار الصحيح، حتى نتجنب غضب آخر قد يكون أكثر قسوة علينا، و نتذكر  مُنذ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد الخالق في إرسال الرسل، الذين كانت رسالتهم رفع المنسوب الأخلاقي للأمم عندما تنضب قلوبهم من الخير، بل اكتفى في إرسال الاختبارات والمحن حتى نكف عن شر أعمالنا، في هذا السياق يتربع فيروس كورونا بكل قوة، فيروس أعاد ولو قليلاً من اهتمام الإنسان بأخيه الإنسان في أنحاء المعمورة، هذا الفيروس أدى إلى ترابط أكبر في العلاقات الأسرية الواحدة، حيث المكوث المنزلي الاضطراري لتجنب عدوى هذا الفيروس، أعطى هامشاً أكبر لاجتماع كل أفراد الأسرة الواحدة، وزد على ذلك أن بيئة الكرة الأرضية أصبحت بتوقف المصانع وكثير من وسائل النقل الجوي و البحري و البري في العالم أكثر نظافة، مما أدى إلى تناقص الاحتباس الحراري للأرض بشكل ملحوظ، وهذا ركن أساسي بالعيش في بيئة صحية بعد أن تهذب أخلاقنا من تجاوز تلك المحنة، لولا كورونا لما و صلنا الى تلك البيئة المثالية، حيث اضطراب التوازن البيئي يؤدي إلى تغيير للشكل الجيولوجي  والجغرافي لتلك الأرض، وانتشار أمراض لا نعرفها بسبب هذا الاحتباس، فالعبرة من تلك المحنة أن الإنسان بجبروته وعلمه وتفوقه العقلي والإدراكي عن باقي الكائنات الحية، يمكن أن يخسر كل شيء أمام أبسط كائن حي وهو فيروس ذو خلية واحدة فقط.

الدكتور ياسر الشرافي