قبل أن يصل إلى بلادنا فيروس كورونا وتحتل أخباره شبكات التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة والاذاعات والصحافة، ويسرق من جمال فصل الربيع ومتع الحياة، كنت أشعر بالشباب، فأمشي صباح كل يوم عدة كيلو مترات متمتعًا بجمال الطبيعة بأشجارها وأزهارها وطيورها وطيب هوائها، وما كنت أستعمل المصعد الكهربائي في أيّة بناية أقصدها لثلاثة أو أربعة طوابق، وما كان يلذ لي أن أصعد الدرجات إلى منزلي في الطابق الثاني عدة مرات في اليوم، وأحياناً أصعد إلى بيت إبني الغالي لؤي في الطابق الثالث كي يطبع لي الحفيدان الحبيبان علي وزينة مقالاً أو فصلاً من كتاب أو كي أسمع ما يقوله الصغير الحبيب رازي، ثم أقف لحظات على برندة بيتهم الواسعة ناظراً إلى قمة جبل الكرمل ومدينتي الجميلة حيفا التي لامني صديقي المرحوم الشاعر الكبير والناقد البارز أحمد دحبور لأنني أنافسه في حبها، وأتأمل أحيانا سفح جبل "العريض" الرابط بين قرية كابول ومدينة طمرة، والذي اخضر بعد أن عادت إلى ترابه في السنوات الأخيرة أشجار البطم والسريس وشجيرات القندول والبلان، بعدما كان أجرد لعقود خلت.

وملتزماً بتعليمات وزارة الصحة التي تطلب من المسنين الذين تجاوزت أعمارهم السبعين عامًا البقاء في بيوتهم لأنهم معرضون لخطر الموت، تذكرت الكتاب الرائع "حالة حصار" لأخي وصديقي الشاعر الكبير المرحوم محمود درويش كما تذكرت الكتاب الشائق "يوميات الاجتياح والصمود" لأخي وصديقي الروائي الكبير يحيى يخلف، اللذين عاشًا حصار رام الله حينما اجتاحها جبّ الجيش شارون في مطلع القرن الحالي وكتبا هذين العملين الأدبيين.

تساءلت: هل كنا نثقل تقبل الحصار ومنع التجوال عندما كان يفرضه الاحتلال على أهلنا في الضفة الغربية بين فترة وأخرى؟

صار الحصار ومنع التجوال عاديا لأهلنا في المخيمات وفي المدن وقراها وهم يعيشون الآن في بعض المدن حصارين يفرضهما جنرالان.

قرأت قبل أيام مقالاً في صحيفة "هآرتس" للكتاب الإسرائيلي اليساري والساخر د.مخائيل يعلق فيه على معارضة اقتصادي بارز تعطيل المرافق الاقتصادية في البلاد لأن الكورونا لا تشكل خطرا إلا على المسنين الذين "شبعوا من أعمارهم" فيقترح مخائيل أن تجمع الحكومة المسنين، رجالاً ونساء. في ساحات المدن أو ساحات الإعدام، ويطلق جنودها الرصاص عليهم كي تتخلص الدولة من الكورونا وعبء المسنين. ويزدهر الاقتصاد.

رحمة يا رب!!