برغم ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب اقترب خطوة اخرى نحو العزل، ورغم ان بنيامين نتنياهو ذهب مسافة ابعد نحو السقوط والخروج من الحياة السياسية الاسرائيلية الى غير رجعة، لكننا يجب ان نكون متأكدين ان كلا الرجلين ترامب وحليفه نتنياهو وصلا الى المسؤولية الاولى عند شعبيهما، لانهما استطاعا خلال السنوات الماضية ان يعزفا بمهارة على الاوتار الاساسية لدى الغالبية العظمى من شعبيهما الاميركي ذي العمق الانجليكاني في اميركا، والخرافة الكاملة التي تحولت في الماضي البعيد الى دين وتحولت في الحاضر القريب الى دولة اسمها اسرائيل.

المكون الاساسي في اميركا هو القوة المطلقة، والتقرير المنفرد لمصير العالم دون ادنى اعتبار لمصالح الآخرين او حقوقهم او مقدساتهم باي درجة من الدرجات، فترامب حين صعد الى البيت الابيض في نهاية عام 2016، صعد على رافعة البيض، وانه ضد المهاجرين (مع ان اميركا الى اخرها مكونة من المهاجرين) وضد اتفاقيات المناخ، وضد التجارة العالمية الا بمقاييسهم،اما اسرائيل التي هي مجرد نقطة من هذا البحر،وهي حليفته الاولى، واداته التنفيذية الاولى، فانه لا حياة لها الا بالاستيطان واخذ ارض الآخرين بالقوة، والتهويد.

والوسائل لجعل الطريق ساكلة امام هذا التفرد الاميركي وهذا الاستيطان والتهويد هي وسائل كثيرة من اهمها ذلك النموذج الذي رأيناه في العالم العربي في الخامس والعشرين من يناير 2011 باسم الربيع العربي، أي محو الدولة الوطنية العربية على الارض بكل محتوياتها، بحشد هائل من الجواسيس والمجندين وخريجي (ليبرني هاوس) وغيره من المؤسسات المشابهة، وهو نموذج ما زال مستمرا حتى اليوم، مضافا اليه البراعة في صناعة الخلافات العربية المفتعلة، بحيث تبدو كل قضية جوهرية ووجودية في العالم العربي قضية باهتة وثانوية.

وفي هذا الخضم يجب ان نشيد اشادة كبيرة بحواجز المقاومة العظيمة التي تصدت بشجاعة كبيرة وتضحيات جسيمة، وفي المقدمة الجيش المصري العظيم على رأس الشعب المصري، والحسابات التي تمت مراجعتها من دول المؤامرة وخاصة في اميركا، لان مصر الدولة القائمة بين شاطئ المتوسط وشاطئ البحر الاحمر والتي توجد فيها قناة السويس احد اعظم الممرات التجارية في العالم، تقوم بدور لا غنى عنه في الامن العالمي، بحيث إن تولي الدور الامني الهائل بدون مصر سيكون مكلفا جدا، بل ومستحيلا في نفس الوقت.

ومن بين العلامات المضيئة كانت قوة الحق وقوة المعرفة وقوة التجربة المستمرة والمتجددة باستمرار التي امتلكتها القيادة الفلسطينية، وكانت الخلاصات، رغم مرارة الانقسام، ثباتا على الارض، دقة الحسابات، الخروج نهائيا من معارك الاخرين، وتنمية الذات الوطنية الفلسطينية الى اقصى حد كل ذلك كان في مواجهة خطط التفكيك والاستهلاك والتركيع الذي انتج لاءات فلسطينية صلبة، لقيت التفافا عالميا.

اما الضلع الثالث فكان المصالح العالمية، الخوف من المجهول الذي تطرحه اميركا، والحذر من الخرافة الصهيونية التي لا تشبع، ضم الجولان برغم من ترامب، الغضب الى حد الصدمة من قرار العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني من استعادة الارض المؤجرة في الباقورة والغمر، واعتبار الثوابث الفلسطينية ثوابت اردنية وعربية وعالمية لانها صلب القانون الدولي، وركيزة الشرعية الدولية، و من حسن طالعنا ان هذا الصراع المكشوف، مع بروز ادوار كبيرة لقوة كبيرة في العالم، مثل الصين التي جعلت ترامب يضرب رأسه في الصخر ألف مرة بلا فائدة سوى الاعتراف بمجالها الحيوي..

الاستيطان والتهويد يجري هذه الايام بسرعة جنونية، لماذا، لان الثقة باستمرار الدعم الأميركي لإسرائيل تتزعزع، فترامب أصبح مثيرا لليأس حتى في اميركا، وسقوطه مرجحا، واسرائيل تريد ان تفرض الاستيطان والتهويد كأمر واقع حتى يكون التراجع عنها صعبا، والامور تندفع بقوة الى ميدان المواجهة، ويجب ان نحصن انفسنا من الفراغات التي يدخل منها الشر، وبلا شك ان الانتخابات هي من الموضوعات التي تقفز الى مستوى الضرورة والاولوية، وبالتالي فان الرهانات السابقة التي كانت تغري البعض ثبت ان لا مكان ولا جدية لها، يجب ان نكون في قمة الاستعداد والاهلية للمعركة ضد الاستيطان والتهويد، نحن اهل الارض وادرى بشعابها، وتجربتنا تعطينا الافضلية في خوض المعركة رغم جسامة التضحيات، ونحن بأملنا قادمون، واعداؤنا بخرافاتهم وتحالفاتهم الموبوءة ذاهبون، ومن حقنا ان يكون النصر في صفنا في هذه المعركة.