لم يأتِ الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الاسرائيلي "الشاباك" يعقوب بيري بأي جديد عندما قال ان قرارا اسرائيليا بدفع حماس وتركها تنمو لتكون بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، فهذا الأمر كان معروفا منذ البداية وحتى تأسيس حماس في بداية الانتفاضة الشعبية الكبرى التي اندلعت في 9 كانون الأول/ ديسمبر عام 1987.

فكرة تحويل جماعة الاخوان في الأرض الفلسطينية المحتلة الى بديل عن المنظمة بدأت قبل تسلم بيري قيادة "الشاباك" بوقت طويل، بدأت من منتصف السبعينيات من القرن الماضي، فجماعة الاخوان لم تكن تشارك لا من قريب أو بعيد في أعمال مقاومة الاحتلال بكل أشكالها السلمية والعسكرية منها، بل أكثر من ذلك كانت تناصب منظمة التحرير وفصائلها العداء. والجماعة كانت مؤهلة سياسيا وفكريا وممارسة بأن تكون بديلا، أما سلطة الاحتلال فقد كان همها دائما إضعاف المنظمة ونزع شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني، بالاضافة الى الهدف الدائم ألا وهو شق وحدة الشعب الفلسطيني وإشغاله من الداخل.

في تلك المرحلة وفي كل المراحل كانت جماعة الاخوان مندمجة في تنسيق كامل مع المخابرات المركزية الأميركية خصوصا ومع أجهزة المخابرات الغربية والعربية المحافظة عموما. ولا يفوتنا ان أطرافا عربية كان تتقاطع مع هذا الهدف وتعمل على إضعاف المنظمة ونزع شرعيتها، الأمر الذي شجع اسرائيل وحماس فيما بعد لمواصلة المهمة المستحيلة.

وأذكر هنا بالرخصة التي منحتها سلطة الاحتلال للمجمع الاسلامي في قطاع غزة والسماح للجماعة بالعمل علانية من خلاله، ولاحظنا أن أول مهمة قامت بها الجماعة هي حرق مكتبة الهلال الأحمر التي كان يرأسها المناضل الوطني حيدر عبد الشافي، كما أذكر كيف كانت الجماعة تحارب طلاب الجامعات المحسوبين على فتح وفصائل (م.ت.ف) وتقوم بإلقائهم من النوافذ والأسطح وضربهم بالجنازير والعصي.

وعندما تأسست حماس، هي ذاتها طرحت نفسها بديلا للمنظمة وتصرفت على أساس ذلك عندما رفضت كل عروض الشهيد الخالد ياسر عرفات السخية لها، الانضمام للمنظمة، كما رفضت حماس الانضمام للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وكانت تقرر منفردة اضرابات وفعاليات خاصة بها. 

ان استخدام حماس بديلا عن المنظمة هو هدف تلتقي عليه حماس وأقصى اليمين الصهيوني الإسرائيلي. كل طرف عربي أو اقليمي كان يرغب باستخدام ورقة القضية الفلسطينية كان له حصان طروادة من الداخل الفلسطيني، وحماس كانت وما زالت ذلك الحصان لإسرائيل والقوى الاقليمية، وهي من قامت بالانقلاب العسكري في قطاع غزة والذي قاد لأسوأ انقسام في تاريخ الشعب الفلسطيني، وهي لا تزال تقدم نفسها بديلا عن المنظمة.

فمن يتابع تصريحات مسؤولي حماس ويراقب إعلامها يكتشف ببساطة ان العدو رقم واحد لهذه الجماعة الاخوانية هي الوطنية الفلسطينية، هي فتح والمنظمة. واستغرب ممن يستغربون، أليست جماعة الاخوان ومنها بالطبع حماس ضد كل ما هو قومي ووطني عربي؟ أليست الجماعة من وقفت مع المخابرات المركزية الأميركية ضد عبد الناصر وضد كل القوى القومية والوطنية في الوطن العربي؟ ان تاريخ جماعة الاخوان شاهد وهو بين يدي القارئ وما عليه سوى ان يقرأ ويبحث قليلا ليكتشف دورها التخريبي والتآمري.

ان رئيس "الشاباك" الأسبق يعقوب بيري لم يأتِ بجديد، وانما ختم الحقيقة المعروفة لكل الوطنيين الفلسطينيين بختم اسرائيل، وبالمناسبة ليس هو الأول من يكشف عن هذه الحقيقة.

ومع ذلك لم نكن ننتظر بيري ليقول لنا، فنحن نرى ونلاحظ يوميا مواقف حماس الانشقاقية، فهذه الحركة الإخوانية لا تعيش إلا كظاهرة منشقة.