صار فرض عين على كل واحد منا- يعتقد ويؤمن بمبدأ المسؤولية الوطنية- المبادرة لحماية الشخصية الفلسطينية الحضارية، ومنع أي مساس بمقوماتها وركائزها القائمة على الأرض كشواهد مادية عليها في مقدمتها الجامعات.

لن يقبل وطني عاقل وحكيم بأي حال من الأحوال تحويل ساحات الجامعات الى ميادين استعراضات (شبه عسكرية) حتى ولو كانت بدون سلاح أو رموز خاصة توحي بذلك، فاستعراضات الفصائل الوطنية المرخصة حسب القانون مكانها الميادين العامة، أما ساحات الجامعات فإنها ما كانت إلا لإثراء ثقافة الطلبة، وتعزيز التواصل بينهم عبر برامج وفعاليات ونشاطات ذات صلة مباشرة بالمناهج والمساقات التي يدرسها الطلاب، ومنها العلوم السياسية حتى لا يفهم من طرحنا أننا ضد النشاط السياسي للطلبة في حرم الجامعة، فالندوات السياسية وورشات العمل والمهرجانات الوطنية الجامعة المنظمة كفيلة بإبقاء الطلبة (الشباب) في محور العمل الوطني العقلاني العلمي المجرد من الانفعالات، والمتحرر من سيطرة مستخدمي النظريات والأفكار والمبادئ الوطنية والدينية وتوظيفها لمصالحهم الشخصية أو الفئوية.

تحتم علينا اللحظة الوقوف الى جانب ادارة كل جامعة في الوطن تحاول ضبط النشاطات لتبقى في المسار الصحيح المنسجم مع صرح علمي، لا تؤدى فيه أي اعمال او نشاطات مخالفة، أو من شأنها قدح شرار خلافات بين الطلبة سياسية كانت أو عقائدية او حتى اجتماعية، ما يعني اسراع الجهات ذات الصلاحية الى سن القوانين الكفيلة بنصوصها الواضحة والصريحة حماية لصروحنا العلمية (الجامعات) فنحن إن لم نتدارك الأمر وندرك- قبل فوات الأوان- المؤامرات المبيتة على مؤسسات مشروعنا الوطني ودولتنا المستقلة، فإن جامعاتنا ستتحول الى فريسة سهلة تنهشها انياب الجماعات اللاوطنية المسيرة لصالح اجندات اقليمية، وينتهي دورها العظيم في توليد الطاقة البشرية والنظرية والفكرية والمعرفية العلمية لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية.

لقد تبوأت جامعاتنا الوطنية ومثالها جامعتا بير زيت والنجاح الوطنية مراكز متقدمة على صعيد الوطن العربي، وصنفت بين افضل الف جامعة من اصل 26 الف جامعة في العالم، ارتكازا على عشرة معايير معتمدة لدى كيو أس (QS) للتصنيف العالمي كالسمعة الأكاديمية، ومكانة الجامعة في سوق العمل (السمعة التشغيلية)، ونسبة الأساتذة للطلبة، وعدد الاقتباسات لكل مقالة منشورة وعدد المقالات المنشورة لكل عضو من الكادر الأكاديمي حسب قاعدة البيانات العلمية SCOPUS، والتأثير على شبكة الإنترنت حسب تصنيف WEBOMETRICS، ونسبة حملة درجة الدكتوراة من بين أعضاء هيئة التدريس، ونسبة الطلبة الأجانب من جميع الطلبة، ونسبة المدرسين الأجانب من أعضاء هيئة التدريس، والتعاون البحثي الدولي، علما ان معايير التصنيف تشمل ايضا المناهج التعليمية والبحثية النوعية، ومكانة الجامعة محليا وعالميا ومقدار تأثيرها عالميا ومحليا.

ليست جامعاتنا "آخر قلاع الحرية والعمل الوطني في الضفة الغربية" كما ورد نصا في مقدمة تقرير لفضائية الجزيرة عن آخر احداث شهدتها جامعة بير زيت، ولن تكون إلا كما عهدناها في مقدمة رموزنا الحضارية المنتجة بلا حدود لتطبيقات الحرية، والعاملة على خط مناهج العمل الوطني، وذلك لكونها الجزء الظاهر فوق الأرض من شجرة الشعب الفلسطيني الحضارية، الضاربة جذورها في الأرض المقدسة الى أبعد مدى يتخيله عاقل، فجامعاتنا ليست مراكز احزاب ونوادي سياسية، ولا منتديات، ولا كيانات مؤدلجة، وإنما هي تجسيم مادي للعقل الفردي والجمعي الفلسطيني، وإرادة الانسان الفلسطيني وإصراره على استرجاع مكانته الطبيعية في صياغة خريطة العالم المعرفية والعلمية والثقافية والسياسية ايضا، مكانته التي يجسدها رغم حرب منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الاسرائيلي وتصويب سلاحها الدقيق المدمر على القلب من جسدنا الفلسطيني (التعليم).. فشبابنا الطلبة بإمكانهم حفظ ذاكرة الثورة، ورموزها وحركة التحرر الوطنية ومنطلقاتها وتاريخها والتفاعل بالتطبيق العملي مع كل حدث، والأهم من ذلك بإمكانهم صنع الأحداث الوطنية باعتبار أن الجامعات الفلسطينية كانت ومازالت مصدر القيادات الوطنية على تنوع مشاربها ونظرياتها السياسية، ولكن وفق منهج قويم يحافظ على الجامعة كبيت علم مقدس للجميع كما الوطن، والترفع عن جلب المخاطر، أو استدراجها، أو إعطاء ذرائع للمحتلين المستعمرين الذين يبغون وأد عقولنا أو تسميمها، وتدمير مؤسسات التعليم او حصارها أو دفعها الى آخر رتبة في قائمة الجامعات في العالم، ونضع في الاعتبار دائما أنهم يسعون لتحويل جامعاتنا الى (شبيهة للمعسكرات الصيفية غير المسلحة) ليسهل عليهم نسفها من أساستها.. اذ بإمكان طلبتنا حمل جميع قضايا الوطن والتعبير عنها بما ينسجم مع قوانين الجامعة والحفاظ على مكانتها وسمعتها محليا وعربيا ودوليا، وإلا فانا سنخسر من المعايير العشرة وبالتالي سيفرح المحتلون بارتدادنا الى ذيل القائمة، ناهيك عن الذرائع التي سيتخذونها روايات دعائية لتبرير جرائمهم بحق شعبنا ودولتنا ومؤسساتنا، والأهم من كل ذلك تشويه صورتنا الحضارية التي مازالت حتى اللحظة السلاح الأعظم بين أيدينا، فنحن حركة التحرر الوطنية الوحيدة في العالم التي تفخر بأن قادتها تخرجوا من جامعات الوطن ومن جامعات عربية وأجنبية عريقة، وأننا بفضل قيم ومبادئ الحرية والتحرر والديمقراطية التي تعلمناها في جامعاتنا حافظنا على طهارة سلاحنا، وأسسنا لنظام سياسي ديمقراطي، ويشهد العالم على نموذج السلم الأهلي الذي نفتديه ليبقى مثالا يحتذى.

لا نخشى تهديدات الاحتلال الاسرائيلي وتحريضه على جامعاتنا، لكن طلابنا اعقل من منحه المبررات والذرائع لتنفيذ مخططاته التي بتنا نعرف اهدافها ومقاصدها، فالأمر إن كان متعلقا بالتحدي فإن في ميادين المواجهة المباشرة مع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني في اطار المقاومة الشعبية السلمية مساحات بلا حدود يمكن لأبنائنا الطلبة الوطنيين ايا كانت انتماءاتهم السياسية التعبير بقوة عن التحدي، وقد لمسنا جانبا من هذه الصورة القيمة في مواجهات مع عسكر الاحتلال على الحواجز ومفارق المستوطنات، أما الاستعراضات في المناسبات، فإن الميادين المركزية في البلاد واسعة وكثيرة، وتسمح أجواء الحرية والديمقراطية بالتعبير بما لا يخالف القانون والمصالح العليا للشعب الفلسطيني.