عاد رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية لإثارة الأسطوانة المشروخة "أملاك اليهود" في الدول العربية، وقال في تصريح له، سنطالب الدول العربية بدفع مبلغ 150 مليار دولار أميركي تعويضا لهم!؟ وهذا العنوان لم تجرؤ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على طرحه من أساسه وطيلة العقود الماضية من نشوء دولة إسرائيل حتى عام 2012. لإنها بالتعاون مع دول الغرب الرأسمالي، كانت وراء خطف ونقل اليهود العرب إلى الدولة الصهيونية الاستعمارية الناشئة، لأن الدولة الاستعمارية بأمس الحاجة إلى المهاجرين الجدد لترسيخ أقدامها. لا سيما وان مطلق دولة لا يمكن ان تقوم لها قائمة بدون شعب. ورغم ازدياد واتساع عدد المهاجرين اليهود من دول أوروبا الغربية والشرقية والاتحاد السوفييتي في أربعينيات القرن العشرين، إلا ان تلك الموجات من الهجرة كانت لا تلبي طموحات وأحلام الحركة الصهيونية، ولا حلفائها من الغرب الراسمالي، الذين استثمروا جيدا موضوع المحرقة النازية والفاشية لليهود في المانيا وإيطاليا. ولهذا التفتت الحركة الصهيونية لليهود العرب، الذين لم يكونوا في حسبانها آنذاك. كما لم تكن أصلا هناك ما يسمى "المسألة اليهودية" في الوطن العربي. لأن اليهود العرب كانوا يعيشون في بلدانهم العربية دون اية تعقيدات. لا بل العكس صحيح، كان اتباع الديانة اليهودية أصحاب نفوذ سياسي واقتصادي في الدول العربية، التي عاشوا فيها. كما انهم كانوا على علاقة تكاملية مع سلطات الاستعمار البريطانية أو الفرنسية المستعمرة للشعوب العربية. 

وبقيت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تلوذ بالصمت عن هذه المسألة، ولكن مع صعود اليمين المتطرف للحكم مع تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة ثانية عام 2009، وفي أعقاب إثارة إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين كأحد الملفات الأهم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، استغلت تلك الحكومة انفجار ثورات "الربيع" العربي مطلع 2011، وتفكك المنظومة العربية الرسمية بالمعايير النسبية، وتراجع مكانة النظام الرسمي العربي، وتفشي وانتشار الحروب البينية، والدفع عن سابق تصميم وإصرار من قبل الـCIA والموساد واجهزة المخابرات الغربية ودول الإقليم الإسلامية وبعض العربية لقوى ومجموعات التكفير الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية لتسيدها المشهد في ثورات الردة تلك. عملت بشكل منهجي ومدروس لتهجير وطرد ملايين السكان العرب من مناطق سكناهم للمهاجر، لتعويم قضية اللاجئين في الوطن العربي خصوصا والإقليم عموما، وذلك بهدف التغطية على قضية اللاجئين الفلسطينيين، واعتبارهم جزءا من قضية عامة، وليسوا استثناء. 

بالتلازم مع ذلك، قامت الإدارة العامة لإدارة الأملاك في وزارة الخارجية الإسرائيلية بإعداد مشروع قانون مطلع عام 2012، صودق عليه في ذات العام، يلزم الحكومة الإسرائيلية بمطالبة الدول العربية برد أملاك اليهود قبل ان يتركوها في العام 1948، والتي قدرها الإسرائيليون المستعمرون بـ300 مليار دولار أميركي، وتشمل الدول التالية: مصر، موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، السودان، العراق، لبنان، الأردن، البحرين واليمن. ليس هذا فحسب، بل إن وزارة الخارجية الإسرائيلية طالبت المملكة العربية السعودية بدفع 100 مليار دولار أميركي مقابل الأملاك اليهودية، زمن هجرة الرسول العربي الكريم للمدينة المنورة؟!   

 الاهداف من طرح الموضوع مجددا: اولا ما ذكر تعويم وتبهيت قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ ثانيا خلط الأوراق، والادعاء بما لم يحصل نهائيا لليهود العرب، لأن الحركة الصهيونية واجهزة الأمن الغربية، هي من قامت بنقلهم، او الضغط على بعض الدول العربية للسماح لهم بالهجرة، ليس هذا فحسب، بل ان العصابات الصهيونية الهاغاناه وشتيرن وغيرها قامت بتنفيذ عمليات إرهابية في العديد من الدول العربية لإرغام اليهود على الهجرة لإسرائيل الاستعمارية؛ ثالثا اصحاب الاموال والمصالح من اليهود لم يهاجروا لإسرائيل، انما للدول الأوروبية ولأميركا، كما فعل اليهود الروس بعد البريسترويكا الغورباتشوفية مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ رابعا شاءت المؤسسة الاستعمارية دمج الزمن بطريقة مريبة، وكأن ما كان قائما في الأزمان الغابرة، يعتبر جزءا من "المسألة اليهودية". وكما ذكرت، لم يوجد في تاريخ العرب والمسلمين ما يسمى "المسألة اليهودية"، لا بل العكس صحيح، كان اليهود يعيشون في بحبوحة وسط شعوبهم العربية والإسلامية، وعندما اضطهدتهم اوروبا لجأوا للدولة الإسلامية للعيش بين ظهرانيها؛ خامسا السعي لمقايضة التعويض والعودة الفلسطينية للاجئين بما يسمى كذبا واختراعا مزيفا، كما اختراع الرواية الصهيونية ما يسمى "اللاجئون اليهود." .. إلخ  

قبل ايام عاد مجددا كل من نتنياهو وهيرتسوغ، رئيس الوكالة اليهودية، لطرح موضوع أملاك "اللاجئين اليهود"، وكلاهما اختزل مبلغ التعويض إلى 150 مليار دولار أميركي، واعلن رئيس الوكالة الصهيونية، انه سيعقد مؤتمرا دوليا لذات الموضوع. وهو ما يشير إلى وجود تعثر، وعدم وحدة موقف صهيوني في كيفية طرح الموضوع، ودليل على الخشية من طرحه، لأن كل الوثائق الموجودة، والمعروضة في مكتبات الدنيا الأساسية تكذب ادعاءاتهم. ولكن على ما يبدو ان الهدف من إثارة الموضوع مجددا الآن يتمثل في، اولا إلهاء الشارع الإسرائيلي عن قضايا فساد نتنياهو؛ ثانيا محاولة ابتزاز بعض الدول العربية؛ ثالثا التصدي للأصوات الأوروبية والعالمية المنادية والمؤيدة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين؛ رابعا التغطية على القرار الأممي الأخير الصادر يوم الجمعة الماضي 13/12/2019 بالتمديد بأغلبية ساحقة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بأغلبية 170 صوتا، واعتراض أميركا وإسرائيل فقط، وتحفظ سبع دول، وهو ما يكشف سخافة المسرحية الهزلية الإسرائيلية، وسقوطها. 

بالتأكيد كل المحاولات الإسرائيلية لخلق قضية اسمها "اللاجئون اليهود" من الدول العربية مصيرها الفشل، والاصطدام بجدار الحقيقة والوقائع الدامغة، فلا التاريخ يدعم مقولتهم، ولا القانون يقبلها، أو يدافع عنها، ولا المنطق السياسي يستسيغها، وبالتالي على نتنياهو ومن معه من قادة اليمين المتطرف الكف عن استغباء العالم عموما والعرب خصوصا.