يعتقد البعض واهماً أن فهم جماعة الاخوان المسلمين للديمقراطية قد تطور ايجاباً بفعل المتغيرات التي فرضت نفسها على الجماعة بعد صعودها وعلوها ومن ثم سقوطها المدوي وانكشافها وتعريتها أمام الشعوب والأحزاب العربية، حيث أظهر علو الجماعة وصعودها وجهها الحقيقي دون ماكياج، بعد أن اختبأت لفترة طويلة خلف وجوه متعددة باسم الديمقراطية والوطنية والشراكة والسلمية والحرية، وهو ما كانت تقتضيه الحاجة التي فرضتها فترة الكمون ولعب "دور الضحية"، وما إن قفزت إلى صدارة المشهد وتسيدت عرش مصر ودول أخرى حتى ضربت عرض الحائط بكل تلك المفاهيم، وعادت لمفاهيمها العقدية "المزيفة" لتمارس العنف بأبشع صوره، وتتنكر للشراكة حتى لمن ساندها وافترض فيها حسن النية، وتمنع بقسوة حرية الرأي والتظاهر معتبرة ذلك جزءا من "المؤامرة الكونية" على الإسلام، وأوثقت عرى الود مع اسرائيل تحت يافطة "الالتزام بالاتفاقيات الموقعة" بعد أن كانت رجسا من عمل الشيطان ومحاباة لأعداء الإسلام، أما الديمقراطية فلا تغدو كونها "مثل الشبشب يُستخدم فقط حين الولوج للحمام"، ومفهوم الدولة الوطنية يتلاشى لصالح المفهوم الأوسع والأشمل "الدولة الإسلامية" كما قال مهدي عاكف (طز في مصر) وكما قال محمود الزهار (فلسطين مجرد سواك لتنظيف الأسنان).

 هذا التوصيف نرى فيه إسقاطاً واقعياً على حركة حماس كونها فرعا لجماعة الاخوان في فلسطين، وذراعها الجهادي وفق قول اسماعيل هنية، وجماعة الاخوان ظلت مرجعية فكرية لحماس وفق تصريحات مشعل وآخرين حتى بعد الاعلان عن وثيقتها السياسية، وأصل المشكلة مع جماعة الاخوان هو بنيتها الفكرية والتربوية وليس شيئا آخر، والحفاظ على هذه البنية دون مراجعة جادة وحقيقية لا يمكن معها افتراض حسن النية بجماعة الاخوان وفرعها حماس، هذا بالإضافة لما أفرزته تجربة حماس بعد مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني وانقلابها على الديمقراطية، وشواهد حكمها لقطاع غزة طوال الثلاثة عشر سنة الماضية. 

يأتي حديثنا هذا بمناسبة إعلان الرئيس أبو مازن عن عزمه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية كمخرج وحيد للخروج من الازمة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وإعلان حركة حماس جاهزيتها للمشاركة في العملية الانتخابية، وبالرغم من التصريحات الحماسية لقادة حماس لإجراء الانتخابات، إلا أن مجمل هذه التصريحات تأتي في سياق لغة فضفاضة وحمالة أوجه، وغالباً ما تكون مقرونة باستدراكات مختلفة، تارة يتم الحديث عن ضرورة موافقة حركة فتح على مبادرة الفصائل كونها تمثل مدخلاً مناسباً لإتمام العملية الانتخابية، وتارة عن ضرورة أن يسبق الانتخابات "توافق وطني"، وتارة أخرى يجري الحديث عن ضمانات لها علاقة بالشفافية والتسليم بالنتائج وعدم الملاحقة الأمنية وإطلاق الحريات. أما بالنسبة للحماسة التي يبديها قادة حماس وفي مقدمتهم يحيى السنوار، فهي تذكرنا بحماسته عندما أعلن عن استعداده "كسر رقبة كل من يعيق تطبيق اتفاق المصالحة"، ورأينا ذلك واقعاً حين كسر رقاب الشباب في حراك بدنا نعيش. أما التوافق الوطني، وهو ما لم يحدث سابقاً ولن يحدث، فقد جرت العادة أن يلجأ الناس للانتخابات عندما لا يصل المختلفون للتوافق، وهو ما ينطبق أيضاً على مبادرة الفصائل التي هي محط خلاف أيضاً.

أما بالنسبة للضمانات بخصوص الشفافية والنزاهة والتسليم بالنتائج وإطلاق الحريات وغيرها من الاستدراكات، فالانتخابات التشريعية التي عُقدت عام 2006 والتي فازت بها حماس، شهد العالم جميعاً بنزاهتها، وتم تكليف حماس بتشكيل الحكومة، وجميعنا نعرف باقي الحكاية. ومنذ سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة جمدت كافة وسائل وأشكال العمل الديمقراطي، ومسحت الانتخابات من قاموس إدارة حكمها للقطاع على جميع الصعد والمستويات، ليس هذا وحسب، فقد ابتدعت شكلاً جديداً للديمقراطية سمته "ديمقراطية النُخب" لتعيين رؤساء البلديات المحلية كما حدث في مدينتي غزة ورفح، وعززت نهجها الديمقراطي باعتقال مجموعة من الشباب ممن اطلقوا هاشتاج # بدنا انتخابات - على صفحات التواصل الاجتماعي، وقامت بتكريمهم بحلق شعر رؤوسهم، وامتهان كرامتهم بالضرب والشبح في زنازين سجونها "الخمس نجوم". وبالمقابل وليس من باب المقارنة، وإنما من باب توضيح الحقائق، فقد شهدت مدن وقرى الضفة الغربية وجامعاتها ونقاباتها انتخابات دورية، وكنموذج للشفافية والنزاهة والتسليم بالنتائج وحرية الدعاية الانتخابية فقد فازت الكتلة الاسلامية التابعة لحماس في جامعة بيرزيت أكثر من مرة. وهذه جردة حساب بسيطة لرؤية وفهم حركة حماس للديمقراطية والعملية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة، ناهيك عن مواقفها التي تماهت مع الاحتلال في السعي لنزع الشرعية عن الرئيس أبو مازن، وإطلاق عبارات التخوين والتفريط التي لا تكل ولا تمل من تردادها. 

وبالعودة لجماعة الاخوان وفرعها حركة حماس، فإن إمارة غزة هي حصنهم الأخير بعد سقوطهم وخسارتهم لكل ما كسبوه في غفلة من الزمن، وهي درة التاج بالنسبة لهم بوصفها مدخلاً لكسب تعاطف ودعم المسلمين في كل أنحاء العالم لارتباطها بقدسية القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل إمكانية التنازل عن هذه الإمارة ضرباً من الخيال. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار جماعات المصالح التي تكونت وتشكلت في قطاع غزة، من أثرياء الحروب والأنفاق، وسماسرة أراضي الدولة والاستيلاء عليها، ومجموعات القتلة، ومحدثي النعمة، فإن ذلك كله يقودنا إلى عدم الافراط بالتفاؤل بأن حماس جادة في الذهاب للانتخابات بنوايا صافية وصادقة، وتتملكنا الخشية من أن كل ما تقوم به من ترحيب وابداء الحماسة هو مصطنع وذر للرماد في العيون، وتجسيد للطريقة الاخوانية في التهرب من الاستحقاقات الوطنية انتخابات كانت أم غيرها.