يفيدنا النظر الى مرحلة ما قبل انعقاد اول مؤتمر نسائي في فلسطين، عندما نتعرف على توثيق اول مظاهرة لنساء فلسطينييات ضد المستوطنات الصهيونية في العام 1839 أي قبل حوالي تسعين على انعقاد المؤتمر الأول في العام 1929 في القدس في بيت السيدة طرب عبد الهادي زوج عوني عبد الهادي في القدس.. وقد اجمعت الدراسات والابحاث على ان رقم المشاركات زاد عن ثلاثمئة من سيدات فلسطين اتين من مدن وقرى فلسطين وسجلن بحضورهن الثقافي والعملي والسياسي تاريخ اول مؤتمر منظم لنساء فلسطين في السادس والعشرين من ذات العام.. وتوجهن بعد انتهاء المؤتمر الى مقر المندوب السامي البريطاني، وسلمنه قرارات الاجتماع وعلاقة اللجنة المنبثقة من المؤتمر بـ"عصبة الأمم"، كان ذلك بعد حوالي واحد وسبعين يوما من "ثورة البراق" 9  آب/ اغسطس 1929 حيث للمرأة الفلسطينية شرف المشاركة في اطلاقها، وارتقاء 9 شهيدات في ميادينها، فيما وثقت الأبحاث تأسيس (الجمعية النسائية الأرثوذكسية) باعتبارها أول جمعية نسائية في فلسطين في العام 1903.
لسنا في مقام دراسة أو بحث، لكن تسليط الضوء على بعض صفحات سجل تاريخ شعبنا القريب سيجعلنا نشعر بفخر يضاف الى ايماننا بأن المرأة الفلسطينية بادرت للانطلاق في عملية التغيير الاجتماعي والثقافي من خلال الجمعيات، والتحرر والكفاح والنضال السياسي من خلال المؤتمرات والمساهمة الفعلية في الثورات، من واقع ادراكها لقيمتها ومكانتها وكينونتها الانسانية، ولعل وقوف سيدة فلسطينية مسيحية على منبر عمر بن الخطاب في القدس والقاء خطاب ادانة للمستعمرين الانكليز الذين تواطأوا وسمحوا للحركة الصهيونية بتهجير اليهود الى فلسطين لدليل على خصوصية الوعي الوطني وعظمة وطهارة نبته لدى الفلسطينييات اللواتي ارتقت ارواح 30 سيدة منهن في ثورة العام 1936 أما المعتقلات فكن بالمئات وتحديدا من رائدات المجتمع والطالبات.
يذكرنا قرار مجلس الوزراء بتاريخ 17-7-2019 باعتبار السادس والعشرين من تشرين الأول من كل عام يوما وطنيا للمرأة الفلسطينية بيوم 26 تشرين الاول/ اكتوبر من العام 1929، ونعتقد بحسن اختيار هذا اليوم ليس لأنه تاريخ انعقاد أول مؤتمر لرائدات الحركة النسوية وحسب، بل لمستوى الوعي الوطني والإحساس بالخطر الوجودي الذي بدأت اولى موجاته مع (وعد بلفور) وابتداء جريمة الحركة الصهيونية التاريخية بحق الشعب الفلسطيني بتخطيطها وتنفيذها وتمويلها الهجرة اليهودية الى فلسطين أي مع بداية تكريس المشروع الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي الصهيوني على ارض فلسطين.. فالمؤتمر دعا لتشكيل حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي تتصدى لوعد بلفور، واعتبر كل عربي يقبله "خائنا لوطنه وأمته"، فالمؤتمر رأى وعد بلفور في نصه وجوهره مشروعا استعماريا لتدمير القومية العربية في فلسطين هدفه "إحياء القومية اليهودية".
أما على الصعيد الموازي للسياسي فقد جاء المؤتمر تتويجا لمرحلة مهمة في نضال المرأة حينها مكنها من تثبيت ركائز مكانتها الاجتماعية والثقافية ليس العادية الطبيعية وحسب بل الريادية، وعززت قبل عقود منه دورها في التنمية الاقتصادية والدفاع عن حقها في تكوين شخصيتها المستقلة وتحررها من التبعية والدونية، فأخذت دورها في مسارات الحركة الثقافية، فأسست ما كان يعرف "صالونات أدبية" واقتحمت عالم الصحافة والمسرح.
بعد انتهاء اعمال المؤتمر الذي رأسته السيدة زكية الحسيني والى جانبها السيدات: محفوظة النابلسي وكاترين شكري ذيب ومتيل مغنم. توجه وفد من عضوات المؤتمر الى منزل المندوب السامي لورد تشانسبلور وزوجته وقدمن عريضة، حيث طالبن بإلغاء وعد بلفور ومنع الهجرة اليهودية، وإقالة المسؤولين عن تعذيب السجناء.. ولا بد هنا من ذكر رفض عضوات الوفد شرب القهوة عند المندوب اللواتي قلن: "لا نشرب القهوة إلا في بيوت الأصدقاء". ومظاهرتهن التي نظمنها بعد انتهاء اللقاء مع المندوب السامي بثمانين سيارة جالت شوارع القدس احتجاجا على سياسة دولة الانتداب (بريطانيا) وبذلك تكون ثاني اكبر مظاهرة تنظمها وتقودها المرأة الفلسطينية بعد مظاهرة شباط – فبراير التي شارك فيها عشرات آلاف المواطنين في القدس من العام 1920.
قبل تسعين عاما بلغ الوعي بأساليب النضال ضد المشروع الصهيوني الاستيطاني والانتداب البريطاني مستوى عال نسعى الى الوصول اليه اليوم بذات البرامج الكفاحية النضالية والأدوات رغم فارق الزمن، فالحاضرات في المؤتمر الأول أقسمن واحدة تلو الأخرى على مقاطعة المتاجر والبضائع اليهودية تماما وتشجيع البضائع الوطنية. وقررن تنشيط التجارة والصناعة الوطنية، لضمان ثروات فلسطين ودعم عمرانها، وتعزيز الارتباط الاقتصادي مع سورية وبلاد عربية اخرى..
وبعثن برقية شكوى إلى ملكة بريطانيا وثانية لشكر "عصبة السيدات الوطنية السياسية" في لندن المؤيدة لشعب فلسطين وقضيته، وثالثة الى الآنسة نيوتن حيث شكروها على جهودها من اجل فلسطين.
انتخب المؤتمر "اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات" وأوكل اليها مهمة تحقيق تضافر وتكامل الجهود مع اللجنة التنفيذية العربية في البلاد حينها. فعملت بالتوازي مع جمع المساعدات والمعونات لأسر المجاهدين وضحايا انتقال الأراضي على الاتصال بجمعيات نسائية عربية وأجنبية ولوضع ملف القضية الفلسطينية على اجندات البحث والأولويات.
اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات منبثقة عن المؤتمر الأول للحركة النسائية في فلسطين تمكنت من جعل القضية الفلسطينية مركز قضايا النساء العربيات عندما نجحت بعقد (المؤتمر النسائي العربي الأول) في القاهرة حول القضية الفلسطينية برئاسة هدى شعراوي عام 1937.
في هذا اليوم الوطني لا بد من الاشادة بالبحاثة في تاريخ المرأة الفلسطينية، السيدة حنان عسلي شهابي الفلسطينية المقدسية، التي اضاءت ذاكرتنا بأسماء ماجدات فلسطينيات ساهمن في اطلاق نهضة نسائية في مدن فلسطينية، وأحدثن تغييرا في البنية الاجتماعية والتعليمية والسياسية والثقافية بتأسيسهن جمعيات تعنى بهذه القضايا مثل طرب عبد الهادي، أديل عازر، عندليب العمد، كاترين سكسك، عصام الحسيني، وزليخة الشهابي ومئات وآلاف غيرهن، سيدات من بلادنا ووطننا فلسطين، لم نعرف عنهن ولم نعلم عن سيرتهن إلا ما ندر رغم اغتناء كتب البحاثين والدارسين باسمائهن وانجازاتهن وبعضا من سيرة كل عظيمة منهن، تزامنت نهضتهن مع دعوات تحرير المرأة التي برزت مع النهضة الثقافية في مصر.
 يجب السؤال هنا: لماذا غفلت وسائل الاتصال الثقافية كالسينما والمسرح تحديدا عن تجسيد اسماء وأعمال سيدات الوطن في اعمال فنية تغني الذاكرة الفلسطينية والعربية والانسانية الذهنية السمعية والبصرية الفردية والجمعية، فنساء فلسطين كواكب ونجوم هاديات في سماء الشعب الفلسطيني مع كواكب الرجال.