تتحدّث حركة "حماس" أحيانًا بلغة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وبخاصة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى نحو يوهم بتحالفها مع هذه الفصائل، وهي التي لا تقبل حليفًا ولا شريكًا بحكم فكرها الإخونجي الإقصائي، الذي لا جدال فيه، ولا مراجعة!! و"حماس" لا تريد من وراء تعميم هذا الوهم، سوى أن تمنح نفسها صفة البيت الجامع (!!) وعينها على غايتها الإخونجية، تدمير منظمة التحرير الفلسطينية، ومصادرة القرار الوطني المستقل، لصالح قرار الجماعة الإخونجية ومشروعها اللاوطني!! وفي إطار تعميم هذا الوهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلنت "حماس" موافقة غير مشروطة (!!) على ما سُمّي "مبادرة الفصائل الثمانية" لإنهاء الانقسام، و"المبادرة" على أية حال لم تقدم جديدا، يتعارض مع تكتيكات "حماس" لإبقاء مسألة إنهاء الانقسام، مسألة بحث لا أكثر ولا أقل، والإعلان الحمساوي بالموافقة غير المشروطة على هذه "المبادرة" ليس غير إعلان للتماهي مع لغة الفصائل، لتمرير وهم التحالف مع فصائل العمل الوطني، ومرة أخرى، بخاصة، فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

وبوضوح أشد لا تريد "حماس" من وراء ذلك، سوى تفكيك بنية منظمة التحرير الفلسطينية، نحو تدميرها، ولطالما كانت "حماس" تسعى وراء تحقيق هذا الهدف التصفوي، وانقلابها الدموي العنيف على الشرعية عام 2007 كان أبرز محاولاتها لتحقيق هذا الهدف، وقبل ذلك لا بد أن يتذكر الجميع أنَّ "حماس" لم تكن يومًا على وفاق مع القيادة الوطنية الموحدة، للانتفاضة الكبرى، بعد أن لحقت بها بقرار من القيادة العالمية للجماعة الإخونجية، وبعد شهر تقريبًا من انطلاقتها عام 1987، بل ظلّت "حماس" معارضةً للقيادة الوطنية الموحدة، ولبياناتها وبرامجها النضالية، وفي تلك الأيام وجهت "حماس" عناصرها بتعاميم سرية، بضرورة التشكيك بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل لإنهاء حضورها السياسي والنضالي والمعنوي بين أوساط جماهير الانتفاضة، على طريق إنهائها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني!!!

لن تكون فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، حصان طروادة لحماس، لا لأنَّ الفصائل هذه لن تقبل بهذا الدور فحسب، وإنّما لأنَّ لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما لا تعرفه "حماس"، بيئة تخصها، قوامها الثقافة الوطنية التي تسمح باختلاف وجهات النظر داخل أطرها الشرعية، ولا تسمح أن يقود هذا الاختلاف، إلى خلاف تصارعي أو تناحري، وبحكم أنها الممثِّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، وبكونها كيانه السياسي، ووطنه المعنوي، كما وصفها القائد الوطني الكبير الراحل جورج حبش، فإنها تظل عصية على التفكيك والتغييب والمصادرة، وهي التي جعلت من الرقم الفلسطيني، رقمًا صعبًا في معادلة الصراع، بل رقمًا يستحيل تجاوزه، أو القفز عنه، أو مصادرته.

ومع ذلك وبرغم هذه الحقيقة، ينبغي أن ننبه إلى أحابيل "حماس" اللغوية في هذا الإطار، وخطورة الانجرار وراء هذه الأحابيل اللغوية، التي تريد "حماس" أن تبدو من خلالها قوة جامعة، وهي الطاردة بمنوعات سلوكها الواقعي، السلطوية، والفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية.

لا تشبه "حماس" سوى نفسها، ولا تقبل بغير حالها، وثلاثة عشر عامًا من حكم الميليشيا، لا تقول إلّا بهذه الحقيقة البشعة.