نتطلَّع ومعنا المواطنون المؤيدون لبرنامج الحكومة لمشاهدة رئيسها الدكتور محمد اشتية في زيارات مفاجئة للوزارات، تبثها وسائل الإعلام الرسمية مباشرة وتعيد بثها في نشرات الأخبار الرئيسة، لما في ذلك من تأثير إيجابي على سير العمل والمعاملات في الوزارات، وستكون الفائدة والنتيجة المرجوة أفضل عندما تتم من دون علم وزير الوزارة هدف الزيارة المفاجئة. فالأهم بالنسبة للجمهور لمس النتائج الفعلية والعملية لهذه الزيارات، وما سيترتب عليها حال وضع الخطوط الحمراء على مكامن الخلل وأسبابها ومسببيها.

نتطلع ونحن ندرك جيّدًا منهجية عمل رئيس الحكومة الدكتور اشتية، وعقليته وقدراته المعرفية والعلمية، فقد خبرنا شخصيته المميزة بالالتزام بالنظام والقوانين وترتيب الأفكار، وسلاسة الطرح، ودعمه بالوثائق والبينات، أما الرتابة وكسب الوقت ووضع النقاط على الحروف، وتقديم الحلول المبرمجة للقضايا والمشاكل فانها تضفي عليه زيادة على قدراته العلمية وخبراته النظرية والعملية سمة رجل الدولة المناضل.

كتبنا ونقدنا كثيرًا وها نحن نكتب ننتقد أداء وزارات وهيئات تابعة للحكومة والسلطة الوطنية وخدماتها المقدمة للجمهور لأننا نعتبر انفسنا جزءا من الجهاز الرقابي الشعبي على عمل المؤسسات الحكومية، ولأننا على يقين أن توجه الحكومة الحالية هو الاصغاء بانفتاح للشكاوى والمقترحات التي من شأنها رفع مستوى الأداء، وكسب رضا الجمهور، والتوفير عليه في وقت وتكاليف إنجاز المعاملات، رغم علمنا أنَّ الأمور على تراكمها لا يمكن حلها في ربع أو نصف عام، لكن مبادراتنا ستسهم في اختصار المدة الزمنية اللازمة لإحداث التغيير المطلوب، ومواكبة تكنولوجيا الاتصال وخدمات الجمهور.

نتطلع لأن يفاجئ الوزير والوكيل والمدير العام والمدير الموظفين في مكاتب ومواقع عملهم، لأنه سيرى المشاهد التي نراها نحن الساعين من مكتب الى مكتب ومن طابق إلى طابق، وسيلمس المسؤول المباشر بعض معاناتنا للحصول على اوراقنا في زمن ثورة التكنولوجيا والإنترنت – ما زلنا نذكر كلام رئيس الحكومة حول المراسلات الالكترونية- لكننا نريد شبكة عنكبوتية، في عقلية وذهنية كل موظف رسمي مهمته الأساسية خدمة الجمهور، فلست انا المواطن صاحب الملف (المعاملة) مراسلا هنا او هناك في هذه الوزارة أو تلك حتى احمل ملفي واتنقل من مكتب لآخر لأصطدم في بعضها بصور تبدو لي بعض اركان (الحسبة) منظمة بالمقارنة معها، اذ ليس معقولا رؤية أدراج وخزائن مغبرة، والملفات فيها تبدو وكأنها ناجية من زلزال بقوة (خمسة او ستة ريختر) ناهيك عن الملفات الموضوعة في صناديق كرتون تبدو وكأنها معدة للحرق والاتلاف، أما عن الخراب البصري الذي يصيبنا من (الخربشات) بالحروف والكلمات العربية على المصنفات فانها تؤلم البصر أكثر من ايلام مشهد صحون الحمص والفلافل والسلطة على طاولات المكاتب اثناء العمل، حتى أننا لا ندري اننا دخلنا لتونا ركنا من مطعم او مكتبا رسميا حكوميا؟!.

لا نعمم.. فهنا وهناك في هذه الوزارات والمؤسسات موظفون نحترم جهودهم ويقدمون لنا صورة حسنة عن الانتماء والالتزام وحسن الأداء والتفاني والاحترام، لكن نسبة سلبية حتى لو كانت ضئيلة فانها كافية لعكس صورة غير التي نريدها ونتخيلها لمؤسساتنا الوطنية التي يجب ان تبقى تحت مفهوم العمل الوطني التحرري والابداعي، والعطاء بلا حدود، لأنها الشروط الأساسية لبناء مؤسسات وطن حر ودولة مستقلة، فالموظف ليس حرا في استخدام جهاز الحاسوب أو هاتفه لأمور خاصة وشخصية وقتما شاء، ولا يحق لحضرتها أو حضرته إشعاري أنه يستولي او تستولي على الوقت المخصص لي أنا المعني بالخدمة، لأني انا كمواطن سأخدم هذا الموظف واخدم الموظفة في موقعي ومكان عملي، فالخدمة متبادلة وكذلك الوقت فهو ملك عام لا يجوز لأحد التصرف به أو استغلاله بخلاف النظام والقانون.

حقي كمواطن نيل خدمة تشعرني ان الضرائب التي ادفعها تذهب لمستحقها في الاتجاه الصحيح، وحقي ايضا المطالبة بتوفير أماكن ووسائل وأدوات العمل المناسبة تمكن الموظف من تقديم خدماته، وبذات الوقت تمتعه باحترام المواطن (صاحب الملف) أيا كان موقعه أو كانت مرتبته الرسمية، فالموظف العمومي عجلة في ماكينة الدولة التي هي أنا وانت وهي وهو، كل في موقعه ومكانه المناسب حسب قدرته وجهده ومعرفته وعلمه وخبرته، حيث لا تصنيف ولا تمييز إلا ما أقره القانون.

يتحمل الوزير في الحكومة أو رئيس الهيئة الحكومية المسؤولية المباشرة اولا وأخيرا، حتى لو كانت مسؤولية اعتبارية، فهذه الأمور الاجرائية والشكلية المرتبطة بالمظاهر والتي كتبنا بعضا عنها عاكس طبيعي تلقائي لمستوى الأداء، فقد تكون مؤشراً ايجابيا أو على العكس، مؤشرا على تراجع وهبوط مستويات العمل والأداء وهنا يكمن الخط الأحمر حيث لا مجال إلا المحاسبة والمساءلة وفق النظام والقانون.

لن نسمح بتراجع مستوى أداء مؤسساتنا الوطنية، ولا نقبل مبررات او ذرائع، فبالممكن باستطاعتنا انجاز افضل مايمكن، وقد صغنا قناعتنا هذه بالتجارب ونجحنا واستطعنا تكريس امثلة حية عليها، لن نقبل إلا التقدم والارتقاء بمؤسساتنا وبرامج عملها ونظمها ولوائحها وتطور ادواتها، لأننا بذلك نطمئن بأن مشروعنا الوطني يسير قدما الى الأمام، ويوفي الشهداء والأسرى وذويهم وكل الصامدين على ارض الوطن حقوقهم، ونجسد بذلك آمالهم التي ضحوا من اجلها بأرواحهم، اما المطلوب فانه ليس اكثر من الايمان بأن كل واحد منا يجب ان يكرس بعمله الدؤوب مفهوم رجل الدولة، ويعتقد بأن مؤسساتنا الرسمية هي الميدان الذي يثبت فيه حسن الانتماء الوطني، واظهار قدراتنا على الابداع خلال ساعات ساعات العمل الرسمية، ولكن بمظهر حضاري لائق بنا، فنحن نستحق.