قال الشّاعر العربيّ العراقيّ أبو فرات محمد مهدي الجواهريّ في العام 1951 في قصيدته الشّهيرة "تنويمة الجياع" التي أثارت غضب الحكومة العراقيّة فأغلقت صحيفته:
    نامي جياع الشّعب نامي حَرَسَتكِ آلهة الطّعامِ
    نامي فإن لم تشبعي من يقظة فمن المنامِ
    نامي على زُبد الوعود يُدافُ في عسل الكلامِ
    نامي تزرْكِ عرائسُ الأحلام في جنح الظّلامِ
    تتنوّري قُرصَ الرّغيفِ  كدورةِ البدرِ التّمامِ

   لا أحد يعرف الجوع وذلّه إلّا الذي جرّبه وكانت اللقمة أو رغيف الخبز بالنّسبة إليه قضيّة حياة أو موت. ونحن أبناء الشّعب العربيّ الفلسطينيّ الذين هُجِّرنا من مدننا وقرانا وأصبحنا لاجئين لا نملك سوى الملابس التي تستر أجسادنا وعشنا تحت الشّجر وفي الخيام الصفراء ووقف آباؤنا وأمهاتنا في الطّوابير أمام مكاتب الصليب الأحمر ليأخذوا الطّحين والسّكر والزّيت وجبنة الكشكوان والملابس المستعملة.. نحن عرفنا القلّة والجوع وعرفنا كم يُذلُّ رغيفُ الخبز.. يذلُّ رجالاً يسعون ويعملون ويسهرون لإطعام أفواه جائعة ومعدٍ خاوية لأطفال مثل العصافير ويحزن أمّهات يتقاسمن اللقمة مع أولادهن بل يقدّمنها لهم ويبقين جائعات.

   رغيف الخبز في زمن الجوع يُذلُّ الجبابرة ويُذلُّ الشعوب ويُذلُّ الرّجال والشّبّان والنّساء.

   قال أبو ذرّ الغفاريّ الصّحابيّ الجليل الزّاهد بالسّلطة والثّائر على السّلطان وعلى الأغنياء: عجبتُ لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج إلى النّاس شاهرًا سيفه.

   ولكن ماذا يفعل الجياع إذا تحوّل الجوع إلى وباء؟
   هل يستطيع الجائع أن يحمل سيفًا أو حجرًا ليقاتل؟
   الجائع لا يفكّر إلا بمعدته وبرغيف الخبز فقط، ولا يستطيع النّوم فقد قال أجدادنا: اثنان يعصى عليهما النّوم وهما الجائع والخائف.
   شاهدتهم على شاشة التلفاز هياكل عظميّة لشيوخ ورجال ونساء وأطفال من الصّومال واليمن وليبيا والعراق وسوريا ويحملون على أكتافهم الواهية الذُلّ والحقد ويطلّ الكفر من عيونهم الذّابلة.
   تشير تقارير الأمم المتّحدة إلى أنّ هناك أكثر من عشرة ملايين جائع بسبب الجفاف والحروب، جفاف الطّبيعة القاسية الشحيحة التي لم تمطر وجفاف عقول الحكّام اللصوص الذين وصلوا إلى عروشهم على ظهور الدّبابات. وتضيف التقارير أنّ المنظمة الدوليّة تملك إمكانات لإطعام ستة ملايين جائع فقط فما هو مصير الأربعة ملايين جائع الآخرين؟
   ماذا يفعل الأوروبيّون الذين سرقوا خيرات أفريقيا عقودًا وقرونًا؟ وماذا تفعل رئيسة مافيا العالم الحر؟ وماذا يفعل أثرياء العالم والعرب الذين يبذّرون البلايين من العملات الصّعبة على مباذلهم وشرابهم ولهوهم وغوانيهم وموائد القمار؟

   الطّبيعة ليست وحدها المسؤولة عن الجوع.
   الجوع كافر وكافر وكافر.
   ألا هُبّوا جياع العالم!!
   هُبّوا....!!