بينَ "الليكود" و"أزرق أبيض" لا تبدو (إسرائيل) اليوم في حالة توازن، ونظامها السياسي بات يتوغّل في مأزقه الأيديولوجي، وما عاد بوسع الديمقراطية أن تسعفه بحكم ما تلوّثت به من طروحات التطرف العنصرية، والتي حتى لو جاءت بحكومة "وحدة وطنية" فإنَّها لن تكون سوى الحكومة التي ستعمّق أزمة هذا النظام، وعلى مختلف المستويات.
(إسرائيل) اليوم بعد نتائج الانتخابات المعادة، وبرؤية استراتيجية، هي (إسرائيل) الأزمة، وقد باتت تتأرجح على الهاوية، كمثل ما يتأرجح لاعب سيرك على حبل لم يعد مشدودًا كما ينبغي!!! والواقع أنّ الفكرة العنصرية التي تحكم الأحزاب الصهيونية، وحتى وسطها اليساري (...) لا يمكن أن تقود إلّا لمثل هذا التأرجح، والسقوط إلى الهاوية، يظلُّ مسألةَ وقت، ما لم تسقط قوى الفكرة العنصرية ذاتها.
ومسألة الوقت في هذا السياق، هي مسألة تاريخية، أي أنَّها ليست مسألة سنوات قليلة، وبمعنى أنَّ السقوط إلى الهاوية أمر مرتبط بحركة التاريخ، ومراكمات هذه الحركة، وتحولاتها النوعية التي تقود إلى الحتميات التي لا مفرَّ منها.
مَن لا يرى هذه المسألة بحقيقتها العِلمية، لن يرى أنَّ أوسلو المذمومة (!!)  هي من أوصل اليوم (إسرائيل) إلى هذه الحالة من التأرجح وعدم التوازن، ليس هذا دفاعًا عن أوسلو، ولا تبريرًا لها، ولا دعوة للتمسُّك بها، وهي التي لم يحاربها أحد كما حاربها اليمين الإسرائيلي العنصري المتطرّف!! وإنَّما هذا تقرير للواقع الذي يؤكِّد أنَّ مقترحات السلام الممكن، وبأيّة صيغة كانت، هي مَن يعمّق في المحصلة أزمة قوى اليمين العنصري الإسرائيلي على الصعيدين السياسي والأيديولوجي، وأنَّ سياسة السلام الاستراتيجية التي اعتمدها الرئيس أبو مازن، بتفعيل الحراك السياسي والدبلوماسي في مختلف ساحات العمل الدولية، وبتعزيز مقومات الصمود، والمقاومة الشعبية السلمية، وبحراك العمل والبناء على الأصعدة كافّةً، هي السياسة التي تثبت صحتها وجدارتها وقوتها في تحقيق التحولات الاستراتيجية في معادلة الصراع، وموازين القوى الفاعلة فيها، كي تميل في المحصلة لصالح مشروع السلام العادل، وتجسّده واقعًا لا لبس فيه، وممّا لا شك فيه، ومرة أخرى، هذا ما يجعل الرئيس أبو مازن يؤكّد باستمرار أنَّ المستقبل لفلسطين ودولتها الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
ويظل أنَّ نقول: بين "أزرق وأبيض" و"الليكود" لن نرى سوى مزايدات الفكرة العنصرية، ولا بأس لأنّها مزايدات الأزمة ذاتها، والحالة هذه لطالما جنت "براقش" على أهلها، ونُذكِّر هنا بما قاله روني دانييل المحلل العسكري في القناة 12 الإسرائيلية بعد جولة الانتخابات الأولى في نيسان الماضي "إنَّ أخطر ملف تواجهه (إسرائيل) ليس ملف فساد نتنياهو وإنّما الأخطر هو ملف خراب (إسرائيل) الثالث".
قبل ذلك بسنوات قليلة وصف مؤرّخ يهودي أميركي (إسرائيل) بأنّها "قصة قصيرة"، وهذا ما كتبه ناحوم برنياع المحلل السياسي في "يديعوت احرونوت" نقلاً عن هذا المؤرّخ الذي وصفه بالصديق.