أيًّا تكن الظروف والمواقف والخلافات، تبقى مجزرةُ صبرا وشاتيلا التي نفّذها جيش الإرهاب الإسرائيلي الذي احتلَّ بيروت عام 1982، والمتعاونون معه، وصمةَ عارٍ في تاريخ الإنسانية. العودة إليها، ليست لنكء جراح، بل للوقوف عند محطة أساسية من محطات المواجهة مع إسرائيل والتاريخ المجيد في مقاومتها، ولاستخلاص الدروس والعِبَر ممّا جرى، فكيف إذا كان الإسرائيليون أنفسهم قد شكّلوا لجنة تحقيق -لجنة كاهان- اتّهمت كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين بتحمّل المسؤولية عن جريمة ضد الإنسانية.
لماذا؟؟ لأنّ حجم الفظائع الذي هزّ العالم ولم يكن ثمّة إعلام في حينه مثل اليوم، ولا وسائل تواصل اجتماعي تنقل باللحظة وبالمباشر كل ما يجري، هذا الحجم لم تتحمّله شعوب وأمم ومؤسسات دولية وهيئات ولجان، وشكَّل استباحة لكلِّ الأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
صبرا وشاتيلا، مجزرة مرعبة بحق الفلسطينيين في لبنان، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية منه، بقرار دولي عربي لبناني وإرادة فلسطينية شجاعة تجاوبًا مع أهل بيروت ووفاءً لهم وهم الذين قدموا أغلى التضحيات دفاعًا عن القضية الفلسطينية وسطّروا مع المقاومين الفلسطينيين أروع بطولات التصدي للاحتلال وتحمّلوا ظلمه بالقصف الاستثنائي والتجويع والتعطيش والحصار. آنذاك قُدِمَت "ضمانات" للمدنيين الفلسطينيين بعد خروج المقاتلين بوساطة فيليب حبيب الموفد الأميركي. لكن تلك الضمانات، ومع الأميركيين والإسرائيليين، تُرجِمَت فخًّا وكمينًا لهؤلاء الأبرياء فكانت المجزرة المروّعة، وإذا كان الأمر غير مستغرب من "الضامنين" المذكورين فإنَّ الغرابة، ومع تراجع عدد الفلسطينيين الباقين في لبنان، أن يتعامل بعض اللبنانيين معهم بعنصرية تذكّر بما كان يجري قبل الحرب وخلالها. نعم، ثمّة سياسات وخطابات سياسية تنظر إلى الفلسطينيين نظرة عنصرية في وقت لا يريد فيه الفلسطينيون البقاء في لبنان، ويريدون العودة إلى بلادهم، لكنَّ إسرائيل بدولتها اليهودية القومية وبضمها القدس، وغور الأردن والضفة على الطريق، وبإسقاطها حل الدولتين، والاتفاقات التي وقّعت مع السلطة الفلسطينية وباستباحتها الأرض والذهاب نحو توسّع أشمل إنّما لا تسقط حق العودة للاجئين فقط، بل تهدّد حق بقاء الفلسطينيين على أرضهم في الداخل، فإلى أين يذهب هؤلاء الآن؟؟ وهذا لا يعني التسويق لتوطينهم. لكن على الأقل، يعني أن نكون موضوعيين في مقاربة مسألة وجودهم على أرضنا. فبين رفض التوطين والعنصرية مسافة ضوئية إذا كنا منصفين وموضوعيين وراغبين في مقاربة هادئة لا تخلق توترات ومشكلات من جديد نحن في غنى عنها، والمسألة ليست فقط مسألة إنسانية، هي مسألة سياسية وأخلاقية بامتياز، وعلى هذا الأساس يجب التعامل معها.
في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا تحية إلى الشهداء الأبرياء، وإلى من بقي من عائلاتهم حيًّا يحمل ذكرى المأساة وألمها، وإلى الشعب الفلسطيني المقاوم الصامد الصابر على ظلم الاحتلال، وانهيار القيم في عالمنا العربي، وسقوط غالبية أنظمتنا السياسية في حسابات وسياسات أبعدت العرب عن التأثير في قرار مصيرهم في ظل ما يجري في المنطقة، وغرق كثيرون منهم في وهم الرهان على الأميركي والإسرائيلي  وهذه هي الحقائق والوقائع، من اليمن، إلى السعودية، والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين تدحض الرهان، فيتقدّم الشريكان المراهن عليهما خطوات إضافية في اتجاه إهانة العرب ومصادرة أموالهم وتفقيرهم وابتزازهم ومحاولة تصـفية القضية الفلسطيني.