ما زال من المبكر الجزم بأية نتائج حاسمة للانتخاب*ات الإسرائيلية، ولصالح مَنْ مِنَ القوى والكتل الإسرائيلية بمكوناتها الأساسية: اليمين المتطرّف ويضم (الليكود، إسرائيل القومية، شاس، ويهوديت هتوراة، إسرائيل بيتنا) والوسط (أزرق أبيض) وكتلة القوى المصنفة "يسار" (ميرتس وإسرائيل الديمقراطية، العمل) والقائمة العربية المشتركة.
31 قائمة تنافست على 120 مقعدًا في الكنيست الـ22. إجمالاً نسبة التصويت في الوسط الفلسطيني العربي ارتفعت عما كانت عليه في انتخابات التاسع من إبريل 2019، حيث بلغت حتى اللحظة ما يزيد على 54%، وهناك إمكانية لأن تصل إلى 60% وبذلك تحصل على 12 مقعدًا. نسبة التصويت الإجمالية حتى إعداد هذا المقال وصلت إلى63,7%، ولكن هذه النسبة غير نهائية.
كان أمس الثلاثاء يومًا مشوبًا بالتوتر والتحريض من قبل بنيامين نتنياهو، الذي خالف القواعد الناظمة للانتخابات، حيث أدلى بمواقف تحريضية على الجماهير الفلسطينية العربية، وناشد اليهود الصهاينة التوجه لصناديق الاقتراع خشية من الجماهير العربية. كما وهاجم السلطة الوطنية الفلسطينية، مدعيًا أنّها تتدخَّل في الانتخابات، وهذا غير صحيح. وكذلك القوى اليمينية المتطرفة مارست ذات التحريض وتحث ناخبيها على الاقتراع حماية لمكانتهم في تسيد المشهد السياسي خلال السنوات الأربع القادمة.
نتنياهو يسعى لأن يبقى على رأس الحكومة الجديدة (الخامسة)، للهرب من دخول السجن. لذا مازال حتى آخر ثانية يمارس التحريض والتهويش، لتفادي المخاطر المحدقة بشخصه وبقيادة الليكود للحياة السياسية الإسرائيلية. ونفذ أنصاره من اليمين المتطرف عمليات تشويش على التكتل المعارض له أزرق ابيض بحوالي 500 عملية تشويش، والمرشح لتولي الحكومة القادمة في حال تمكّن من الحصول على 61 مقعدًا في الكنيست. قوى الوسط وما يسمى "اليسار" واجه أمس الثلاثاء تحديًّا، حيثُ لدى بعض قواه وخاصة حزب العمل خشية من عدم تجاوز نسبة الحسم.
في حال لم يتمكن أي من التكتلين الرئيسين اليمين المتطرف وكاحول لافان من الحصول على الـ61 مقعدًا، سيكون المشهد الإسرائيلي أمام عدة سيناريوهات، الأول أمّا التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما يدعو له ليبرمان؛ والثاني دخول إسرائيل بيتنا مع اليمين المتطرف ولكن بدون نتنياهو؛ الثالث أن يتوافق ليبرمان مع بيني غانتس، وبذلك يطيح بحكم الليكود ومن معه من اليمين المتطرف، ويعزل أيًا الحريديم والأحزاب الدينية، حيث يشكل حزبا إسرائيل بيتنا مع القائمة المشتركة بيضة القبان.
النتائج الأولية تشير إلى أنَّ كاحول لافان تقدم على الليكود بفارق مقعدين 33 إلى 31 والقائمة المشتركة قد تصل إلى 13 مقعدًا في حين يحصل ليبرمان على عشرة مقاعد أو أكثر. مع ذلك اللحظة مازالت ملتبسة، وغير محددة المعالم. وهو ما يعني أن إسرائيل تمر بفترة ضبابية نتيجة التنافس الحاد بين الأقطاب الرئيسية، وعدم حسم الشارع الإسرائيلي خياره بشكل واضح، فما زال موزعا بين اليمين المتطرف واليمين أو الوسط. لكن عدم تمكن الليكود من التغلب على كاحول لافان، سيقرر مصير نتنياهو، ويضعه خارج الحكم. ولن يكون ضمن دائرة التكليف برئاسة الحكومة القادمة، وهو ما يفتح شهية كل القوى المتربصة به لإيداعه السجن، لأنه ارهق المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، وضرب بعرض الحائط كل المنظومة السياسية والقانونية و"الديمقراطية" المشوهة.
وما زال مصير عملية السلام غير واضح في ضوء النتائج الأولية، لا سيما وأن تكتل (أزرق ابيض) لم يحدد بشكل قاطع موقفه من الانسحاب التام من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 (أراضي الدولة الفلسطينية)، وهذا ما صرح به أمس بيني غانتس وهو لا يبشّر بالخير، عندما أكَّد تمسُّكه بالأغوار، وهاجم حركة "فتح"، واعتبرها "إرهابية"، وهو ما يعني بشكل غير مباشر مُغازلة حركة الانقلاب الحمساوية، ويعني تراجعه عن خيار حل الدولتين وفق مرجعيات السلام وقرارات الشرعية الدولية.
لكن غياب نتنياهو عن المشهد السياسي يعني عمليا توجيه ضربة وصدمة قوية للرئيس الأميركي ترامب وصفقة قرنه المشؤومة، وهذا بالمعايير النسبية يشكل مدخلا معقولا لإحداث حراك في المشهد السياسي الإسرائيلي. لا يمكن الجزم الآن بما ستؤول إليه العملية السياسية في إسرائيل. وغدا لناظره قريب.