حذفت الخارجية الأميركية اسم السلطة الوطنية الفلسطينية، من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط، علمًا أنَّها كانت تعرف دولة فلسطين بـ "الأراضي الفلسطينية"، ثُمّ وصفتها فيما بعد بـ "أراضي السلطة الفلسطينية" قبل حذفها نهائيا، وكانت قد سبقت إجراءها هذا بإزالة أي إشارة إلى كلمة "الأراضي المحتلة"، وأرسلت تعليمات إلى سفاراتها بالعالم للتقيد بأوامرها. وبذلك تكون إدارة ترامب قد نسفت قواعد وركائز السياسة الأميركية المتعلقة بالقضية الفلسطينية كافّةً.
لكن وقبل قراءة أبعاد هذا التوجه لدى إدارة ترامب العنصرية الاستعمارية الجديدة لابد من تذكير رؤوس الخارجية الأميركية وسفير ترامب في تل أبيب أن المستعمرين البريطانيين وبوجه آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى كانوا قد منحوا وعدا للحركة الصهيونية بإنشاء وطن لليهود على ارض وطننا فلسطين، وحققوا ذلك بقوة الاحتلال والإرهاب، ومكنوهم من إنشاء (دولة ناقصة) ومازالت حتى الآن!!، لكن فلسطين بقيت وبقي شعبها فيها رغم إنكار الحركة الصهيونية لوجوده وكيانه السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي ودوره الحضاري والتنموي في مشرق الوطن العربي، ونذكرهم أيضا أن مئتي عام تقريبا من حروب الفرنجة وغزواتهم من العام 1096 إلى العام 1291 تحت يافطة الصليب وتحرير الأرض المقدسة كما ادعوا انتهت بهزيمة رغم احتلالهم لفلسطين والقدس لأكثر من مئة عام متواصلة، أما الإمبراطور الفرنسي نابليون فقد انهزم على أسوار عكا الفلسطينية، فتراجع بجيشه من حيث أتى عن طريق البر وبقيت فلسطين، وسنذكرهم أيضًا أن التنظيمات الصهيونية المسلحة عملت إجرامًا وإرهابًا بالشعب الفلسطيني بغرض تفريغ الأرض من أهلها وأصحابها الحقيقيين الأصليين، لكن رغم خوف بعضهم وجزعهم واضطرارهم لهجرة أراضيهم وبيوتهم في عام النكبة 1948، إلا أن الغالبية العظمى من الشعب بقيت متجذرة صامدة وبقي الفلسطيني "كأنه عشرون الف مستحيل" رحمك الله يا توفيق زياد.
ومن المفيد تذكير هؤلاء الذين عاشوا بالتأكيد كل الأحداث الكبرى المتصلة بالقضية الفلسطينية والحروب والمجازر، والمؤامرات التي كان هدفها منع الشعب الفلسطيني من إبراز شخصيته السياسية والاستقلال بقراره الوطني، حيث اشتغلت (الوكالة اليهودية) منذ العام 1920 مع مندوبي الدول الاستعمارية لشراء ذمم حكام وشخصيات عربية رسمية حزبية ومقايضة تثبيت اركان حكمهم أو توصيلهم إلى سدة الحكم بموافقة ضمنية غير معلنة على المشروع الصهيوني الذي يعني بجوهره الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، واستحضار اليهود المستوردين من كل انحاء العالم ومن البلاد العربية ايضا تحت الضغط ليحلوا كمستوطنين مكان الشعب الفلسطيني منذ ما قبل النكبة بعقود، وهذا ما كشفه الصحفي الياهو ساسون في كتابه الشهير (الطريق إلى السلام) الذي كان بمثابة الجسر الواصل بين الوكالة اليهودية والعديد من الرسميين العرب الذين تخلوا عن فلسطين مقابل كراسي الحكم! لكن كل هؤلاء باتوا تحت الأرض أمواتًا، فيما أرض فلسطين يحييها أهلها الصامدون الصابرون العاقلون المناضلون المكافحون.
شاهد موظفو الخارجية الأميركية احتلال جيش الدولة الناقصة (إسرائيل) ما بقي من أرض فلسطين التاريخية والطبيعية في حرب حزيران من العام 1967 واستكمال سيطرتهم كمحتلين على شرقي القدس بعد غربها، وكيف أضافوا لها أراضي عربية من مصر وسوريا (سيناء والجولان)، وأصيب شعبنا والعرب بنكسة، لكن فلسطين بقيت وبقي شعبها، وانطلقت الموجة الثانية من الثورة الفلسطينية المعاصرة لتعيد في معركة الكرامة في العام 1968 بعضا من كرامة العرب المهدورة، فاندحر الجيش الذي لا يقهر وعلا اسم فلسطين حتى قرأه كل الأحرار في العالم على جباه الفدائيين المناضلين الفلسطينيين والعرب والأحرار في العالم الذين افتخروا بكوفية فلسطين رمزا للتحرر والعمل الثوري.
نذكر بهذا الغيض من فيض كبيرهم المستكبر الظالم المستعمر العنصري ترامب حتى رغم علمنا بقدرته على سحق قوانين وقرارات ومواثيق الشرعية ببلدوزر قوة الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا، وطرح نظام الأمن والاستقرار والسلام الدولي، وإنشاء نظام هيمنة، وإخضاع وإذلال خال تماما من الحد الأدنى من القيم، ونسف ركائز وقواعد السياسة الأميركية والتنكر لاعتراف الولايات المتحدة ألأميركية وحتى اسرائيل بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا له.. ام يحسبون اننا شعب نزل من القمر، وهل في علومهم ومعارفهم السياسية اسم شعب بلا أرض؟!، أو اسم دولة بلا شعب؟! ربما عليهم محو ذاكرة آلاف الملايين من المؤمنين في العالم الذين يقرأون في كتبهم المقدسة اسم فلسطين وشعب فلسطين واسم رسول السلام يسوع عيسى ابن مريم الذي شهدت الأرض المقدسة فلسطين على ولادة نوره إلى الناس اجمعين .. أو ربما عليهم احراق مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن بكل ما فيهما من وثائق تاريخية، وإحراق كل مكتبات العالم، واختراع فيروس قادر على مسح اسم فلسطين، واسم شعب فلسطين من ذاكرة سبعة آلاف مليون انسان على وجه الكرة الأرضية.
لا نركن إلى كوننا اصحاب حق تاريخي وطبيعي وحسب، بل إلى تجاربنا المتراكمة عبر القرون والى رؤيتنا وقراءتنا الواقعية والعقلانية لموازين القوى، لكن كل هذا لن يمنعنا من ابداع الوسائل التي تمكننا من الصمود وايقاف زحف البلدوزر (الأميركي- الاسرائيلي) الاستعماري العنصري عند حد معين، فنحن على يقين ان جذورنا الانسانية الحضارية ووجودنا على ارضنا كشعب ووجود ارضنا التي اكسبناها اسمنا منذ فجر التاريخ هما الهدف، وعلينا بذات الوقت النظر حولنا ورؤية كيف تمكنت القوى المعادية من سوريا العظيمة والعراق العظيم واليمن وهي دول مستقلة وعريقة وكادت تنهي حدودها الجغرافية كدول عن الخارطة السياسية العالمية.
يجب ألا ندع ترامب ونتنياهو يحققان اي اختراق في جبهتنا الداخلية، رغم قناعتنا ان حماس ومن لف لفيفها، ودحلان الذي يحاول فتح ابواب البيت الأبيض أمام مسؤوليها وجميعهم يتسابقون لتقديم اوراق اعتماد لادارة ترامب وقوى اقليمية كمستخدمين وموظفين تنفيذيين لهذه المهمات القذرة (الخيانية) .. وهنا وجبت اليقظة ومعرفة اتجاه مسارات النار التي يحاول البعض اشعالها في المنطقة، التي اذا لم نضع كل الاحتمالات في حساباتنا فإنّها ستأكل الأخضر واليابس، لذا فإن المواجهة تقتضي المبادرة في الهجوم السياسي في كل المحافل، واعادة تأكيد مكانة فلسطين على خارطة العالم ليس السياسية وحسب، بل الثقافية والابداعية، وبما تيسر لنا من الحضور الاقتصادي، بالتوازي مع اشتباك سلمي مع مكونات الاحتلال ومؤسساته، وإنشاء تفاهمات وائتلافات وتحالفات مع قوى اسرائيلية يهودية شرقية وغربية اي سفارديم واشكناز، مع التركيز على العرب اليهود في اسرائيل العراقيين واليمنيين والسوريين والمغاربة والمصريين وغيرهم من الدول الأفريقية كالاثيوبيين، ومن دول الاتحاد السوفييتي سابقا، فبهذا الهجوم المنظم المدروس، الموازي لهجوم دبلوماسي – حبذا لو كان بالتنسيق مع دول عربية – في الولايات المتحدة الأميركية حيث طافت عنصرية ترامب على المجتمع الأميركي السياسي والثقافي والاعلامي، وبات بنظر معظم الأميركيين عنصريا جالبا للويلات والمصائب لأميركا، فتأكيد وتثبيت وتعميق قناعتنا بأننا هنا كنا وهنا باقون وهنا سنكون، تعني بالمقام الأول اقناع المستعمرين الجدد المحتلين والمستوطنين عبر كل وسائل النضال الشعبي الدبلوماسي السياسي المشروع بأننا هنا كنا وأخذت الأرض اسمنا، وهنا باقون وأعطيناها روحنا، واستمددنا منها وجودنا، وأننا هنا للأبد سنكون، وأن كل فلسطيني بقوة عشرين ألف مستحيل.