رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب يعتبر الديمقراطيين اليهود "أغبياء وخائنين" هذا آخر ما صدر عن بلفور العصر الحالي.
قال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض: "إنَّ تصويت اليهود الأميركيين لصالح الحزب الديمقراطي يعتبر خيانة وعدم ولاء"، وأضاف: "أعتقد أنَّ أي يهودي يصوت لصالح ديمقراطي يكون لديه نقص تام في المعرفة أو عدم ولاء".
وبذلك يكون لدى الولايات المتحدة الأميركية رئيس من طينة جماعة (الإخوان المسلمين) التي يفتي مشايخها بتكفير كل شخص لا يعطيهم صوته في الانتخابات، ويعتبرونه جاهلاً بشرع الله، ومن هنا يمكننا معرفة النبع الذي يشرب منه كل هؤلاء المتطرفين الإرهابيين الذين يستخدمون أدوات عنفية، أو الذين يلوون عنق الديمقراطية حتى يكسروها تحت يافطة حرية الرأي والتعبير والموقف، وأشد أشكال هذا الإرهاب ما قاله ترامب حول اليهود الديمقراطيين، مبرّرًا ذلك بعشقه لإسرائيل ودفاعه عما يسمّيه "الشعب اليهودي"، فهل لعاقل أن يقبل تخوين رئيس دولة عظمى، تقوم على مبادئ الحرية والعدالة لمواطنين بسبب انتمائهم السياسي؟! بالــتأكيد لا، لكن أليس ما نسمعه ونشاهده مؤشرًا على انهيار كبير يبدأ من رأس الهرم السياسي الأميركي؟! نعتقدُ أنه لم يعد بعيدًا اليوم الذي نشاهد فيه ترنُّح الولايات المتحدة إن لم يسارع العقلاء فيها إلى وضعها على سكة العدالة والإنسانية والالتزام بالشريعة الإنسانية والشرعية الدولية وقوانينها ومواثيقها.
لا بدَّ من سؤال هنا، هل يكره ترامب اليهود؟ وهل كراهية اليهود سمة يتشارك بها مع بلفور، رغم عطائهما اللا محدود للحركة الصهيونية التي تعني أول وآخر ما تعني الهجرة إلى فلسطين التي اغتصبوها وسموها (إسرائيل)؟!
تولى آرثر جيمس بلفور رئاسة الحكومة في بريطانيا عام 1902 حتى عام 1905 وكان ضد هجرة اليهود من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا، لكنّه عندما كان وزيرًا للخارجية من 1916 إلى 1919 في حكومة ديفيد لويد جورج ساهم في إعطاء وعد للحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين التي كانت حينها تحت انتداب دولته، وكل الدراسات تفيد أنّه كان يريد التخلُّص منهم بسبب دورهم الوظيفي الذي كان بمثابة مشكلة لكثير من دول أوروبا الغربية قبل الشرقية.
أمّا ترامب فقد وعد اليهود الأميركيين و(إسرائيل) بإعلان القدس العربية عاصمة لـ(إسرائيل)، وإلغاء قضية اللاجئين، واعتبار الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي مشروعًا، وقد نفَّذ ما وعد به، وأضاف حبّة مسك كما يقولون في الأمثال أن اعتبر الجولان العربية السورية جزءًا من (إسرائيل)، لكن ما لا يعرفه الكثير من الناس أنَّ الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب لم يرحّب بهجرة اليهود إلى الولايات المتحدة الأميركية وكان للحزب موقف مضاد منهم. والسؤال هنا هل يفكّر ترامب بتسهيل كل أسباب الاستقرار لـ(إسرائيل) لتسهيل وتيرة هجرة الأميركيين اليهود إلى (إسرائيل)، فينجح في إضعاف منافسيه في الحقل التجاري، ويحقق رواية ومفاهيم المتدينين في حزبه حول المعركة الفاصلة بين الحق والباطل حسب دعايتهم في (هارمجيدون) تل مجدو في فلسطين، ولعلّه بهذا الدعم اللا محدود لـ(إسرائيل) على حساب الشعب الفلسطيني يستطيع إقناع ستة ملايين يهودي أميركي أو بعضهم أو معظمهم من الهجرة إليها وترك وطنهم الأصلي، وبذلك يتخلص من منافسيه الأميركيين اليهود الأغنياء، ويضاعف من حدة الصراع في المنطقة حيث المستفيد ألأول والأخير منه واشنطن.
صمت بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومة (إسرائيل) التي تدعي الدفاع عن اليهود في العالم وتعتبر أنها تمثلهم، ولا غرابة في هذا الموقف لأن واحدا من حزب الليكود الحاكم لا يمكنه فتح فمه للرد على ترامب في هذه اللحظات العصيبة، ليس لأن (إسرائيل) داخلة على انتخابات، ولأنَّ نتنياهو رئيس حزب الليكود مرفوع على راحة ترامب في هذه الانتخابات وحسب، بل لأنَّهم يدركون أنَّ ترامب لا يريد أن يسمع منهم ردًّا، فالذي يجاهر بالعداء لمواطنين أميركيين أعضاء في مجلس النواب، ولمواطنين أميركيين ويصفهم بالخونة والجاهلين وعديمي الانتماء، فإنّه لن يتوانى عن قص لسان أي وزير أو رئيس حزب إسرائيلي يحاول الدفاع عن اليهود الديمقراطيين (أي المنتمين للحزب الديمقراطي المعارض لإدارة ترامب) وإلا فان سحب ترامب دعمه لليكود يعني السقوط الحتمي حتى قبل إجراء الانتخابات.
ترامب يتعامل مع قضايا الشعوب بأسلوب البزنس المتغطرس المتكبّر المحتكر، يتخيّل أنَّ الدعم الذي قدَّمه لأجيره نتنياهو لإبقائه على قيد الحياة السياسية سيمكنه من كسب أصوات الأميركيين اليهود في الانتخابات الأميركية مطلع العام المقبل 2020 وكأنّه لا يعلم أنَّ معظم الأميركيين اليهود قد اختاروا الحزب الديمقراطي لتميزه عن الجمهوري بخصوص بيئة الحرية واللاتمييز المفقودة لدى الجمهوريين، لذا لم يتورع ترامب عن توجيه التهديدات وإلصاق تهم الجهل والغباء والخيانة باليهودي الأميركي الذي سيصوّت للحزب الديمقراطي سلفًا، وبذلك يكون ترامب بلغ ذروة التطرُّف وسبق ما عرفناه من تطرُّف بلغته الجماعات والأحزاب والتنظيمات الدينية التي تعتبر كلّ من لا يناصرها خائنًا كافرًا جاهلاً.
قد تفتح مواقف ترامب بصيرة اليهود في العالم وتجعلهم يميلون للاعتقاد أنّ الحافظ لاستقرارهم ووجودهم في العالم هو تبنيهم عقيدة السلام القائم على الحق والعدل، والتخلّي عن تقديم أوراق اعتماد للدول الاستعمارية الكبرى، ولعلّهم إذا بدأوا بذلك معنا في فلسطين يكتشفون صحة هذه الدعوة بالتجربة.
ترامب.. (إخونجي) على الطريقةِ الأميركية
26-08-2019
مشاهدة: 191
موفّق مطر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها