عاد الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعتقلاته إلى الإضراب عن الطعام في لقاء مع معركة كفاحية متجددة كما هو قدرهم طوال فترات الأسر. وهذه المرة بدأ الإضراب بوقفة تضامنية مع القائد أحمد سعدات، ثم توسع ليشمل معتقلات وسجوناً كثيرة ولكن في إطار طرح مطالب الأسرى التي تهدف إلى وقف الإجراءات التعسفية لمصلحة السجون الإسرائيلية، وتحسين شروط الأسرى لتقترب من الشروط المتعارف عليها دولياً

سواء تلك التي تنص عليها اتفاقيات جنيف من العام 1949 أو ما هو متبع في معظم دول العالم المتحضرة التي تدّعي إسرائيل أنها تنتمي إليها.

الإضراب عن الطعام هذه المرة لم يكن مخططاً بدقة وعناية كما هو الحال في المرات السابقة التي كان فيها الإضراب شاملاً وضمن خطة متفق عليها بين كل السجون والمعتقلات، ولكن لأن الظروف في مواقع الأسر المختلفة هي سيئة للغاية بسبب قرارات وقوانين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وآخرها قرارات هذه الحكومة التي أرادت تحويل قصة فشلها في الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غلعاد شاليت إلى نجاح في قمع الأسرى وتحويل حياتهم إلى جحيم بحجة أن zالتضييق على معتقلي

"حماس" وبطبيعة الحال كل المعتقلين يمكن أن يدفع قيادة "حماس" للتراجع عن شروطها للإفراج عن غلعاد شاليت، وخاصة الإفراج عن عدد من أسرى "حماس" المتهمين بتنفيذ عمليات كبيرة في إسرائيل أو بالوقوف وراءها. وبشكل عام يعاني الأسرى من ظروف سيئة في مجالات الطعام والعلاج الطبي والعزل ومنع الزيارة ونظام العقوبات التي تشمل غرامات مالية ومنع التعليم الجامعي، والتفتيش العاري، والتفتيش الليلي الفجائي المزعج وسوء المعاملة والقمع، والقائمة طويلة.

ولكن هناك مشكلة لدى الأسرى أنفسهم بدأت في الظهور في سنوات الانتفاضة الثانية وتفاقمت بعد انقلاب حركة "حماس" على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، وهي عدم وحدة نضالات الأسرى، وعدم مشاركة جميع الفصائل وجميع المعتقلات في الخطوات النضالية حتى على مستوى إرجاع وجبة طعام واحدة، فما بالنا والحديث يدور عن إضرابات مفتوحة عن الطعام. وهذه المشكلة تحديداً هي التي جعلت إدارة مصلحة السجون تتمادى في إجراءاتها التعسفية، .

ليس واضحاً كيف ستستمر هذه الخطوة النضالية، وإذا ما كانت ستشمل كل السجون والمعتقلات وكل الأسرى القادرين أم لا، ولكن في كل الأحوال نجاح أية خطوة كفاحية من هذا القبيل يحتاج إلى عاملين رئيسيين: الأول، وحدة الحركة الأسيرة بكل مكوّناتها ومواقعها من جهة، وإصرارها على تحقيق مطالبها المحسوبة بدقة وفق الإمكانيات والقدرات المتاحة وعدم التراجع عنها بأي حال من جهة أخرى. وهذا العامل يحتاج إلى مركزة الحركة الأسيرة، إما في موقع مركزي واحد يضم قيادات الحركة الأسيرة من معظم الفصائل، أو في مواقع لا تتجاوز الثلاثة حتى يسهل اتخاذ قرار موحد وتعميمه على كل السجون والمعتقلات والالتزام به. وهناك حاجة ضرورية لإعادة تقييم تجارب الحركة الأسيرة واستنباط الدروس النضالية الأهم منها، في إطار السعي لتطوير واقع الحركة الأسيرة بعيداً عن حسابات الفصائل الضيقة، وخاصة في الواقع خارج اطار أسوار وجدران المعتقل. وفي هذا السياق لا بد أن يتخلى أسرى حركة "حماس" تحديداً عن بعض الأفكار الخاطئة فيما يتعلق بخوض الإضرابات المفتوحة عن الطعام، وأن يحافظوا على تماسك ووحدة الحركة الأسيرة لأنهم يشكلون أحد أهم عناوين الهجوم على الأسرى، وقوتهم تكمن في قوة الحركة الأسيرة مجتمعة.

والعامل الثاني هو الدعم الشعبي الواسع للأسرى وخروج عشرات آلاف المواطنين تعبيراً عن هذا الدعم، ومع احترامي الشديد لخيام الاعتصام وهي مهمة بلا شك، إلاّ أنها غير كافية ولا يمكن أن تشكل الإسناد الحقيقي المطلوب للأسرى.

الآن على وجه التحديد، تخشى إسرائيل من التحركات الشعبية السلمية واسعة النطاق بسبب وجود الثورات العربية في أكثر من دولة في الوطن العربي، ولأن العالم أجمع، أيضاً، لا يريد انفجار الوضع على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية في هذه المرحلة التي تشهد توترات كبيرة في أكثر من مكان. وبالتالي فأية تحركات شعبية واسعة يمكنها أن تجد صدى لها في وسائل الإعلام، وتضيء النور الأحمر لدى صناع القرار في العواصم المؤثرة.

والحديث عن القوانين والأعراف الدولية وتدخل المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإنسانية في العالم لن يكون ذا أثر يذكر من دون حركة شعبية واسعة. فالمناشدات والصرخات وتسليط الضوء على واقع الظلم والاحتلال والقمع لم يعد كافياً، في ظل تجارب الشعوب المشرّفة في هذه الأيام.

الحكومة الإسرائيلية ترتكب حماقات متتالية في كل القضايا المتعلقة بالصراع بدءاً من إصرارها على الاستمرار بالاستيطان خلافاً لرغبة كل أطراف المجتمع الدولي وانتهاءً بتنغيص حياة الأسرى والمواطنين الفلسطينيين، ولا بد من إشعارها بأن هذا لم يعد ممكناً الصمت عليه، بكفاح هادئ سلمي واعٍ ولكن محسوب وتجند له غالبية أبناء الشعب الفلسطيني. وهذا هو الطريق الصحيح للخلاص من هذا الواقع المأساوي. والأسرى كانوا طوال الوقت في الطليعة، وعليهم أن يكونوا هذه المرة، أيضاً، المدرسة والأنموذج في الوحدة ورصّ الصفوف وحشد الطاقات في معركة الكرامة والحقوق الأساسية للبشر حتى لو كانوا تحت الاحتلال