لسذاجتي، اقترحت معابر على النهر بدلاً من معبر وحيد، باعتبار المعبر الثاني، الشيخ حسين، ليس لعبور الفلسطينيين.. ثم فطنت، أمس، الى أن يهودية اسرائيل لا تشمل الدولة وأمن الحواجز، بل أيضاً المعبر الوحيد، ذي الاسماء الثلاثة: الكرامة، اللنبي، الملك حسين!

من اليوم، الاربعاء حتى العشرين من تشرين الأول المقبل، سيعمل المعبر على طريقة شبكة "سودوكو" أو "الكلمات المتقاطعة" او حتى "حقول الألغام" لماذا؟ لأن هذه موجة الخريف العظمى من الأعياد اليهودية، علماً بوجود موجة صغرى من أعياد الربيع.. عدا عيد هنا وآخر هناك.

لا أعرف من الأوغل في التاريخ.. السنة الصينية أو الفارسية أو الفيتنامية.. أو العبرية.. التي نذر قرنها قريباً من الآلاف الستة من السنوات، لكنني أظن-وبعض الظن ليس إثماً-أن تراكب الأعياد اليهودية في فصلي الخريف والشتاء لا علاقة كبيرة له بالدين أو التاريخ العبري-اليهودي، بل بطقوس وثنية شرقية في "بلاد بعل" عن فصل الموت (الخريف) وفصل تجدد الحياة (الربيع).

يقول أفيغدور ليبرمان إياه، ان اسرائيل غير مستعدة لتعديل فاصلة في برتوكول باريس الاقتصادي، لكنه نفسه يهدد بإلغاء الاتفاق الأصل، أوسلو، عقاباً للسلطة على طلب عضوية فلسطين في الجمعية العامة.

ليست المشكلة هنا، بل في إصرار نتنياهو على الاعتراف الفلسطيني بـ"يهودية دولة اسرائيل" وهو أمر دونه خرط القتاد لدى رئيس فلسطين والفلسطينيين، علماً أنه ليس طلباً تعجيزياً كما يبدو، لأن الاقتراح الفلسطيني بالعضوية يستند، أيضاً، الى القرار 181 الذي تحدث عن تقسيم أرض فلسطين دولتين: يهودية وعربية، وليس اسرائيلية وفلسطينية كما هو مطروح حالياً منذ العام 2002.

تحاول الرباعية إيجاد مخرج لمأزق "يهودية دولة اسرائيل" مثل القول بدولتين قوميتين للشعبين، واقترح كاتب اسرائيلي مخرجاً آخر وهو استبدال "دولة يهودية" بـ "دولة عبرية". هذا تلاعب قد يكون مقبولاً، لأنه يستند الى تلاعب تطرق إليه نتنياهو في خطبته أمام الجمعية العامة، وسبقه إليها آخرون، وهو أن "ابراهيم" الفلسطيني هو "أفرايم" اليهودي-العبري، أي العودة الى قصة اسحاق واسماعيل.. والآن: عربي-عبري!

يقول نقاد أوسلو، وما أكثرهم منذ توقيعها الى طلب عضوية فلسطين، إن المفاوض الفلسطيني كان "رخواً" وهذه تهمة غير صحيحة، لأن المفاوض الفلسطيني قال، بعد قبول اسرائيل صيغة غزة+، أي غزة وأريحا، أنه يفهم من أريحا "محافظة أريحا".. آنذاك، طلب رابين من الوفد الاسرائيلي المفاوض أن يغلق حقائبه، ويعود أدراجه.

.. ومن ثم، جرى الاتفاق على صيغة وسط شكلية، أي "الشرطي والعلم" شرطي فلسطيني في المعبر، وعلم فلسطيني عليه. وكل من عبر المعبر من أوسلو حتى اجتياح نيسان لاحظ "كاريكاتورية" هذه الصيغة، حيث يجلس الشرطي الفلسطيني قبل رجل الأمن الاسرائيلي في المغادرة، وبعده في الدخول. هذه طريقة لإفهامنا "من هو السيد على الجسر".. منذ اقترح دايان فكرة "الجسور المفتوحة"

مع ذلك، شهد المعبر، آنذاك، مشادات حامية بين رجال أمن الجانبين، وأحياناً مع شهر السلاح، وأحياناً مع إطلاق الرصاص على السقف.. وكثيراً، ما رفض رجال الأمن الفلسطينيون ان ينصاع فلسطيني لطلب المخابرات الاسرائيلية بمقابلة خاصة!

عطّل الاسرائيليون، بعد عراقيل شديدة، نظام العبور المقيد بين الضفة وغزة (معبر ترقوميا مثلاً) واتفاقية العبور والمعابر التي رعتها كوندوليزا رايس حول معبر رفح ذهبت أدراج الرياح، بسبب الانقلاب الحمساوي وأسباب اسرائيلية خاصة.

في نقدها اللطيف-الرهيف لخطاب نتنياهو في الجمعية العامة، قالت زعيمة كاديما (معاريف 26 أيلول) إنها: "كيهودية، وكصهيونية.. وكاسرائيلية" تعتقد أن البلاد بأسرها إرث يهودي.. ولكن.. يجب التفاوض مع عباس!

عباس، من جهته، تحدث كفلسطيني أولاً، ثم كعربي ومسلم.. وهذا يفسّر رفضه البات لـ "يهودية دولة اسرائيل".. ولا أعرف هل في فترة الأعياد الخريفية اليهودية سيشمل نظام العبور المعقد قيوداً على تنقل القادة والساسة الفلسطينيين، علماً أن اسرائيل لم توفر تهديداً بسحب بطاقات VIP.. لم يتقهقر الجيش الاسرائيلي الى خطوط 28 أيلول، وها نحن نطالب بالاستقلال، واتفاقية المعبر المنقوصة في الأصل لم تتعدل الى ما قبل الاجتياح.

لن نعترف بيهودية دولة اسرائيل، لكننا مضطرون للتعامل مع يهودية أعياد اسرائيل.. افتح.. أغلق.. اعبر.. لا تعبر! يأكلون العنب (لا الحصرم) ونحن نضرّس!