كلما كان الأمر يتعلق بإسرائيل، يفقد المنطق حضوره في السياسة الأميركية، ويجري إهمال حتى الأمثلة القريبة، الماكثة في جوار "البيت الأبيض" فلا يُقاس عليها شيء، خوفاً من أن ينـزعج الصهيونيون!
ما يُسمى بـ "حركة الشاي" العنصرية الموصولة بأذيال المحافظين الجدد في الولايات المتحدة؛ تمارس استعلاءً عنصرياً على الرئيس الأميركي نفسه، وصل الى درجة الإهانة. فهو في خطابها "ليس منّا، وليس أميركياً حقيقياً". أما هو، من جهته، فيعرف أن التمييز بين المواطنين، هو بوصلة "حركة الشاي" النافذة في أوساط المال والأعمال، ويُفترض أنه تقزز منهم ومن العنصرية والعنصريين، على الأقل لأنهم يتناولونه بالهجاء المهين. كان الأجدر به، كأستاذ جامعي سابق ومثقف، أن يعرف المناخات المضادة للنفس الإنسانية البريئة التي لا تقترف ذنباً لكنها تتعرض للتمييز، وأن يعارض مسعاهم بالحجة وبالمنطق الصائب. فالأسبوع الثاني شهر شباط الجاري الذي لم يُطو، هو وقت إحياء ذكرى المظالم التي تعرض لها الزنوج في الولايات المتحدة. ففي لحظة من صحو الضمير، في العام 1926 كان ثمة مؤرخ أميركي أسود، اسمه كارتر وودسون، استعان بجمعية لدراسة حياة الزنوج الأميركيين وتاريخهم، لكي يعلن عن الأسبوع الثاني من شباط، وقتاً لإحياء ذكرى المظالم التي وقعت للمكوّن الأسود من الشعب الأميركي. وجاء الاختيار ليتوافق مع يوم ميلاد ابراهام لينكولن، الذي دعا الى تحرير العبيد!
جماعة "حركة الشاي" تتشكل من عنصريين نصابين، لا يفقهون شيئاً لا في السياسة ولا في التاريخ، ولا حتى في الجغرافيا. إن أيقونتهم البذيئة، سارة بالين "Palin Sarah" التي خاض معها جون ماكين سباق الرئاسة لكي تكون نائبته لو نجح؛ تعرضت للسعات المعلقين الساخرين، عندما سُئلت عن إفريقيا، فكان جوابها ينم عن اعتقادها بأن إفريقيا بلد وليس قارة. وسارة هذه، بات شغلها الشاغل الترويج لإسرائيل ولعنصريتها واحتقار باراك أوباما. هنا، يُشطب الوعي النخبوي الأميركي، الذي تبدت إحدى تجلياته في العام 1926 عندما اعتمدت الولايات المتحدة وكندا تاريح إحياء ذكرى التاريخ الأسود للعنصريين البيض وممارساتهم ضد المواطنين السود. ومرّ منذ ذلك التاريخ حتى الوصول الى زمن سارة بالين، مناضلون ورموز كفاح من أجل الحقوق المدنية للسود، من بينهم مارتن لوثر كينغ، الحائز على "نوبل" ومالكولم إكس "Malcolm X" المسلم الأسود، رمز حركة "الجذور" والقس جيسي جاكسون وآخرون كُثر. فمعتوهو "حركة الشاي" يعودون بأميركا القهقرى، أي الى أيام الإعلاء من شأن التمييز، وهم شبيهو الصهيونية في الدجل، لأنهم يخلقون من الحكاية السخيفة أسطورة يبنون عليها أحلاماً، يتأسس عليها جشعهم الرأسمالي وكراهيتهم للفقراء وللناس الطبيعيين. فإن كانت سارة بالين لا ترى قارة إفريقيا الشاسعة، فكيف لها أن ترى الشعب الفلسطيني الماكث على أرضه منذ آلاف السنين؟!. فالتسمية جاءت لتخليد ذكرى يوم عادي فرض فيه البريطانيون، قبل نحو 240 سنة، ضريبة على شحنات الشاي المستورد الى اميركا، وقيل إن الرعاع احتجوا على الضريبة واستولوا على ثلاث سفن ورموا الشاي في البحر. معنى ذلك أن المشكلة كانت بين أبيض استعماري يفرض الضريبة، وأبيض مستوطن يرفضها، ولا ندري ما هي علاقة السود والفلسطينيين بالمسألة، لكي تتحول حركة كهذه، شديدة العنصرية حيال السود والفلسطينيين، وتشارك مع اللوبي الصهيوني في ابتزاز الإدارة، لكي تضغط في دعم طلب نتنياهو اعتراف الفلسطينيين بأن دولتهم يهودية حصراً!
لقد استفز هؤلاء الكثير من الشبان الأميركيين المتحدرين من العالم الثالث وإفريقيا، فأسسوا "حركة القهوة" مقابل "حركة الشاي". لكن أهل القهوة، لا يمتلكون نفوذاً في أوساط الاحتكارات في دوائر صنع القرار!
كوب الشاي المسموم، الذي يلح هؤلاء على أوباما لكي يشربه؛ يدفع الإدارة الأميركية، التي يقف على رأسها رجل أسود، لأن تتنكر لجوهر قانون "الحريات المدنية" الذي أقره الرئيس جونسون في العام 1964 وأنهت به أميركا التمييز رسمياً، وأطلقت بعده مبادرات المساواة في الحقوق السياسية، وفي الفرص وفي حقوق المواطنة. هم يريدون للإدارة التي تراجعت عن عنصريتها في بلدها، أن تتبنى مشروعاً عنصرياً في بلادنا فلسطين، وإن لم تفعل فإن أوباما نفسه، سيصبح ليس منهم وليس مواطنا أميركياً حقيقياً. فإن كانت السياسات تُبنى على نتائج التجارب، فالأجدر بإدارة باراك أوباما وسواه، أن تقول للعنصريين الصهيونيين، إن ما تطالبون به، يخالف ما استقرت عليه تقاليد الولايات المتحدة وقوانينها وقناعاتها، بل هو ضد أسس قيام الدولة في العصر الحديث، لأن الدولة الفاعلة تكون محايدة، وإطاراً لكل سكانها، معنياً بتحقيق المساواة في المواطنة وفي الحقوق!