مرَّت أمس الأول الذكرى الثلاثون للاعتراف الدبلوماسي الصيني بدولة فلسطين، وكانت جمهورية الصين الشعبية الدولة الأولى عالميا، التي تعترف بدولة فلسطين، والثانية بعد اعتراف دولة الجزائر الشقيقة، التي عقد المجلس الوطني دورته الـ19 في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 على أراضيها، وفيه تمَّ إعلان وثيقة الاستقلال.

والعلاقات الفلسطينية الصينية بموضوعية شديدة جدًا، وبدون مغالاة، تعدُّ من أقدم وأعرق العلاقات بين الشعبين والقيادتين. وتعود جذورها للنصف الأول من ستينيات القرن الماضي، حيث زار رئيس منظمة التحرير الأول، أحمد الشقيري الصين، والتقى القيادات التاريخية للشعب الصيني، وأهمها وفي مقدمتها ماوتسي تونغ، ورئيس الوزراء آنذاك "شو إن لاي" وغيرهم من القيادات. كما التقى الزعيم ياسر عرفات ورفيق دربه في النضال خليل الوزير مع رئيس الوزراء الصيني في العام 1964 في الجزائر على هامش انعقاد مؤتمر عدم الانحياز، ولاحقًا زارا الصين سرًّا في نفس العام.

وكانت الصين أول من فتح بعثة دبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد تأسيسها في العام 1964، ومنحتها كامل الامتيازات الديبلوماسية. ومن يعود للخلف قليلا يجد أنّ قيادة الثورة الصينية أولت اهتمامًا متزايدًا بالقضايا العربية التحررية بعد مؤتمر باندونج في اندونسيا عام 1955، حيث أكّدت الصين الشعبية دعمها لكفاح الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية كلها. وتتالت الزيارات من القيادات الفلسطينية للصين، وتعمقت الروابط الكفاحية والسياسية والدبلوماسية بين القيادتين.

وكانت جمهورية الصين الشعبية في مقدمة الدول الداعمة لكفاح الثورة الفلسطينية المعاصرة في كل المحافل الإقليمية والدولية، فضلا عن الدعم غير المحدود لمنظمة التحرير وفصائل العمل الوطني بدءًا بالدورات التدريبية، والدعم بالسلاح والعتاد والمنح الدراسية وغيرها من أشكال الدعم.

وبعد قيام السلطة الوطنية في العام 1994 لم تتأخر الصديقة الوفية عن تقديم الدعم الاقتصادي، وفي مجال البنى التحتية في العديد من المدن والمحافظات الفلسطينية، وفتحت أسواقها أمام السلع الفلسطينية، وكذلك فتحت الأسواق الفلسطينية دون تحفظ أبوابها أمام السلع والمنتجات الصينية، التي وجدت رواجًا وقبولاً عاليًا في أوساط الجماهير الفلسطينية.

وحرصت القيادة الصينية على أداء دور مهم على مسار التسوية السياسية من خلال طرح مبادرتها السياسية ذات النقاط الأربع، التي تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وخصَّصت ممثّلا لها لمتابعة ملف التسوية السياسية، الذي التقى يوم الثلاثاء الماضي في رام الله الرئيس محمود عبّاس. كما دعت العديد من الوفود الفلسطينية والإسرائيلية لتجسير الهوة فيما بين الطرفين لدفع عملية التسوية للإمام. وبالمقابل ترسل الوفود السياسية والثقافية والاقتصادية إلى دولة فلسطين المحتلة لتعزيز الروابط والعلاقات المشتركة بين القيادتين والشعبين.

وزار الرئيس أبو مازن الصين الشعبية أربع مرات للتواصل مع القيادة الصينية، ولما للصين من ثقل سياسي واقتصادي ودبلوماسي عالمي، وحرصًا من القيادة الفلسطينية على الدفع بالدور الصيني قدمًا للإمام لتحتل المكان المناسب لوزنها الأممي، وكي تكون شريكًا رئيسًا في رعاية عملية السلام مع الأقطاب الدولية الأخرى بعد أن فقدت الولايات المتحدة دورها كراعٍ أساسي لعملية السلام.

أضف إلى أنَّ القيادة الفلسطينية من خلال تعاونها الوثيق مع القيادة الصينية، أكَّدت لها استعدادها في أن تؤدي دورًا مُساندًا ومؤثّرًا في مشروعها العملاق طريق الحرير، الذي شرعت الصين في إعادة إحيائه، وهو الطريق التاريخي، الذي يربط بين الصين بالشرق الأقصى والشرق الأوسط مرورا بأوروبا وآسيا الوسطى، الذي يمتد على مسافة عشرة آلاف كيلومتر. وهو مشروع صيني استراتيجي، سيكون له دور مهم في تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين شعوب الأرض كلها.

العلاقات الفلسطينية الصينية، علاقات مميّزة واستراتيجية، تحرص كلا القيادتين على تطويرها وتعميقها على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولن تدخر أي منهما سبيلاً من أجل الارتقاء بها على كلّ الصعد والمستويات.