لو سُئِلنا عن أهم خبر وطني خلال اليومين الماضيين لكان جوابنا بالتأكيد الحكم الجنائي الصادر عن محكمة بداية قلقيلية، يوم الأربعاء، بحق متّهمين بتسريب أراضٍ للعدو (الاحتلال الإسرائيلي) كما جاء في توصيف المركز الإعلامي القضائي.

لا تعقيب على قرارات وأحكام القضاء، فهذا أمر مسلَّم به، ولكنّنا نضع هذه القضية بين يدي نقابة المحامين خاصة أنَّ واحدًا من المتّهمين الأربعة محامٍ.

ما نقصده في هذه القضية هو الإجراء المنتظَر من نقابة المحامين التي نعتقد بجديتها في القضايا الوطنية، وتحمّلها لمسؤولياتها كما تقتضيها رسالة المحاماة، ونعتقد أنّ منع المحامي المعني من الوقوف أمام المحاكم مدى الحياة، سيكون بمثابة حكم رادع لكل مَن خان أو يفكر بخيانة أمانة الحفاظ على طهارة الثوب الأسود، خاصة بعد صدور الحكم وثبوت التهمة على المحامي.

اللافت في هذا الخبر الوطني بامتياز يقظة ضبّاط وكوادر جهاز الأمن الوقائي ومتابعته السرية الدقيقة التي قادت الجهاز إلى اعتقال المتّهمين قبل إبرام صفقة بيع أراض في محافظات القدس ونابلس وطولكرم، وكذلك أراضٍ في الداخل إلى جهات إسرائيلية عبر سمسار هناك، ولنا تقدير مساحة هذه الأراضي وأهميتها إذا علمنا أنَّ قيمتها تبلغ نحو 8 ملايين دينار أردني.

تستطيع أجهزة الدولة التقدّم اكثر في مثل هذه الملفات وتحقيق إنجازات واختراقات في (عصابات الخيانة) بفضل يقظة الجمهور الفلسطيني أيضًا، فكل واحد منا هو عين القانون الساهرة على الأرض، فكل شبر من فلسطين أثمن من ملايين ومليارات العالم عندما يتعلّق الأمر بتسريبها أو بيعها للمحتلّين والمستعمرين المجرمين، فالبائع والسمسار والشاهد على الجريمة والساكت عنها وكذلك المشتري هم في عرف الشعب الفلسطيني الذي تصدر باسمه القوانين خونة، مجرمون، وقد لفتني في عنوان الخبر الجملة الأولى منه (الجنايات الكبرى) كما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، ما يدل على فظاعة الجريمة التي ارتكبها المجرمون.

لا مبرّر لفلسطيني بيع أرضه للمحتلين والمستعمرين، حتى وإن ادعى قساوة الظروف المادية، لأن شكواه إلى أولي الأمر والجهات المختصة في الحكومة قد تكون مفتاحًا لتفكيك أزمته هذا إن كان الأمر كذلك، وهنا لا بد من طرح القضية بإخلاص لدى الجهات المعنية في الدولة وتحديدًا سلطة النقد التي من الممكن النظر بتقديم قروض ميسرة جدا لأصحاب الأراضي الذين قد يجدون صعوبة في إصلاحها أو استثمارها، وبذلك تسحب مؤسسات الدولة أية ذريعة أو حجة سلفًا أمام من يُفكّر بالإقدام على هكذا جريمة.

لم يُفكّر بائع شرفه وعرضه وماضية وحاضره ومستقبله للمحتل بعائلته، فاتّبع هوس الرغبة بالمال ونسي سمعة فظيعة قد تصيب أبناءه، وهنا يجب أن يتدخّل المجتمع بقوة لمنع سريان التهمة على غير فاعلها، فيحمي أبناء المتهم وعائلته التي لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون ذات الاسم، وقد نجد في الأبناء حمية وطنية تفوق تصوراتنا، فالمرء لا يحاسب إلا على ما فعل، هذا أمر حقوقي قانوني، والأهم من ذلك أنّنا نريد تعزيز الثقة بورثة الأرض ليكونوا حماتها وسياجها والأمين عليها قبل الدولة ومؤسساتها القانونية والأمنية.. وهنا تقع المسؤولية على المؤسسات الاجتماعية النظامية وكذلك الدينية التي من شأن تعاميمها وأقوال الفقهاء فيها أن تؤمّن مسار حماية الأرض وأصحابها في الاتجاه الصحيح. وبذلك نحصن المجتمع بأمن اجتماعي يضاف إلى أمننا القضائي وأمننا الوقائي وأمننا الوطني.