كانت قد حطت قدماي أرض مطار بيروت للمرة الأولى في الأسبوع الأول من هذ الشهر لحضور مؤتمر اللقاء المسيحي المشرقي ، وكان هذا التجمع الأول الآقليمي الذي جمع ممثلين عن مسيحي الشرق من مختلف الأقطار العربية ، وكان الهم الأكبر في هذا المؤتمر يتمحور حول الهجرة والتهجير العربي المسيحي من الأوطان العربية وانعكاساتها السلبية على النسيج المجتمعي العربي وعلى الفكر والثقافة العربية ولأن مسيحي المشرق هم أبناءه الأصليون ، وهم من أصحاب الأرض والهوية فكان المؤتمرعبارة عن صيحة لشعوب وقيادات المنطقة للعمل الجدي لمواجهة التحديات والتهديدات وللحفاظ على فسيفساء الشرق حتى يبقى هذا الشرق مهد الديانات والحضارات.

وأعتبر المؤتمر ان دول وشعوب المنطقة تقف اليوم على مفترق التاريخ . بين ان تأخذ مسار العصرنة والحداثه والديمقراطية وحقوق الانسان فرداً وجماعة ، وبين ان تنزلق الى دهاليز التخلف والأصولية والظلامية . وفي كل هذا على مسيحي الشرق ان يرفضوا التقوقع والشعور بالعجز والإنعزالية ، بل يبقوا كما كانوا رواد في الفكر والحضارة العربية وشركاء في الأوطان، يعملوا لكي تبزغ شمس الكرامة الحرية في الوطن العربي الكبير واولها من فلسطين في ان تكون دولة ذات سيادة ، لشعب يستحق الكرامة والحرية والاستقلال.

وفي الحديث عن غياب العدالة والظلم والشتات ، كان الوفد الفلسطني قد توجه مباشرة بعد أن أنهى المؤتمر أعماله لزيارة مخيم ضبية والذي يقطن فيه حوالي اربعة الآف لاجئ فلسطيني ، وقد همس لنا أحدهم أن اهل المخيم يواجهون قرارات هدم في عدة أماكن في المخيم حيث ان اللاجئين تجرؤا واضافوا صفيح هنا أو هناك ليقيهم من الشتاء القارص ، أو دعموا غرفة هنا أو هناك داخل المخيم بعد أن ضاقت الدنيا عليهم . وعند وصولنا الى المخيم كان الأهالي في انتظارنا في قاعة الكنيسة بعد خروجهم من قداس الأحد.

وهنا لسنا بصدد وصف بؤس المخيم ، ووجوه الكبار المعبرة عن الإرهاق والهموم ، ووجوه الشباب التي تعكس الإحباط والعجز وهم يبحثوا عن مستقبل لهم في بيئة لا تسمح لهم بالذهاب بعيداً لتحقيق ما يصبون إليه من عيشة كريمة ، ومسكن متواضع .

سمعنا من الأهالي همومهم ومشاكلهم وهي كثيرة ، في معظمها تتعلق بالهموم اليومية المرتبطة بالمسكن والعمل . تركزت مطالب العديد من أهل المخيم بالسماح لهم بتغيير سقفية الزينكو (صفيح) فوق روؤسهم ، أما الشباب فرغبتهم كبيرة في الزواج وتأسيس عائلة، ولكن كما قال لي أحدهم " لا يوجد مسكن ولا عمل ، ونحن نعيش الحياة القاسية ، والى متى " ؟

وفي لحظة ما كم كان اللقاء مؤثراً حين جاءني شبل من أشبال المخيم بعد أن عرف أنني من القدس وأعيش فيها ، فكان سؤاله مدوياً عندما سألني عن المدينة المقدسة وان كانت القدس أجمل من المخيم، فيما انا انظر من حولي مشاهداً بؤس المخيم، وعرفنا حينها ان هذا الشبل واسمه حنا ولد وترعرع في المخيم ولم يغادره، وان عالمه يتمحور حول المخيم وما يعانيه من بؤس وحزن، فغادرنا المخيم والألم يعتصر قلوبنا.

فالسؤال هنا الى من تبقى لديهم من ضمائر حية - الى متى هذا العذاب والحرمان . ولمن لا يعرف فإن غالبية مخيم ضبية من البصة ويافا وجميعهم من لاجئي مسيحي فلسطين منذ 48 . واليوم تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، وهذا الشعب الذي ينتظر إحقاق العدل والعيشة الكريمة بعيداً عن التشرد والحرمان والقهر .

مخيم ضبية نموذج لقصة شعب تظلم عليه سياسات غربية وعجز عربي متراكم اوصلتنا الى ما نحن عليه الآن.

انها رسالة في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بأن التضامن واجب ان يتبعه الإرادة السياسية لرفع الظلم الذي طال ولعقود عن هذا الشعب، وهو المدخل الأساسي لإنهاء دوامة العنف والكراهية والحقد والتطرف في منطقتنا نحو التحول الى الحريات والديمقراطيات الحقيقية