بعيداً عن المزايدات فإنّ من يتابع مسيرة الرّئيس الفلسطيني محمود عبّاس، سيجد أنّه وفيّ لمبادئه، وحريص على حقوق شعبه، وقضيّته الوطنيّة، منذ استلامه رئاسة السلطة في نوفمبر 2004، بعد وفاة الرّئيس الرّمز ياسر عرفات، وقد تميّز بالصّدق ووضوح الرّؤية مع شعبه ومع العالم، وقد خاض انتخابات الرّئاسة في العام 2005 بناء على برنامج سياسيّ طموح، ولمعرفته المسبقة بموازين القوى المحلّيّة والإقليمية والدّولية، وحظي بثقة شعبه. وهذا ليس غريباً على مناضل أفنى عمره في خدمة قضيّته وشعبه، فهو يشغل منصب رئيس حركة "فتح" العمود الفقري للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وهو أحد مؤسّسيها، ويشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية منذ 11 نوفمبر 2004 بعد وفاة الزّعيم ياسر عرفات،
وسيسجّل التّاريخ أنّ الرّئيس محمود عبّاس رجل دولة وسياسيّ بامتياز، قاد شعبه في أحلك مرحلة من تاريخه، وقد تميّزت سياسته بأنّها "لين في غير ضعف، وقوّة في غير عنف". وكلّنا يعرف أنّ سلطتنا لا تحمل من السّلطة إلا الاسم، فالوطن لا يزال تحت الاحتلال الذي استهدف البشر والشّجر والحجر، لكنّ الرّئيس واصل مسيرة شعبنا التّاريخيّة بحنكة ودراية، أملاً في تحقيق حقّ شعبنا في تقرير المصير وإقامة الدّولة المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف بأقل الخسائر، واستطاع تجنيد الدّول والرّأي العام العالميّ لتأييد الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطينيّ، ومنها اعتراف الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة بدولة فلسطين في 29-11-2012، ونتيجة للأوضاع المتردّية في العالم العربيّ، فقد صمد في وجه الضّغوطات التي تعرّض ولا يزال لها من قوى إقليمية، وعالميّة عظمى كالولايات المتّحدة الأمريكيّة، إلا أنّه لم يفرّط بشيء من حقوق شعبه ووطنه، ورغم اختلال موازين القوى لغير صالح شعبنا وأمّتنا، إلا أنّه صمد صموداً أسطوريّاً، وبقي متمسّكاً بمسيرة السّلام! وعندما وصلت الأمور إلى نقطة الحسم بإعلان الإدارة الأمريكيّة عداءها للشّعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في وطنه بقرارها يوم 6 ديسمبر الحالي الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، مخالفة القانون والأعراف وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وبالتّالي انسحابها من عمليّة السّلام، فإنّ الرّئيس عبّاس لم يتردّد لحظة واحدة في الدّفاع عن قضيّته وحقوق شعبه، فأعلن أنّه لن يلتقي نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أثناء زيارته التي كانت مقرّرة خلال شهر ديسمبر الجاري، وأرجئت أخيراً إلى منتصف كانون الثاني/يناير المقبل. ورغم كثرة التّهديدات فقد صعّد الرئيس الفلسطيني من لهجته يوم 22 الشّهر الحالي عندما قال "أنّه لن يقبل أي خطة سلام تقترحها واشنطن؛ لأنّها "لم تعد وسيطاً نزيها في عملية السّلام (...) بسبب انحيازها وخرقها للقانون الدّولي".
لهذا فإن تصويت 128 دولة في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة ضدّ قرار أمريكا بخصوص القدس، وما سبقها من تصويت 14 دولة ضدّ القرار الأمريكيّ في مجلس الأمن الدّوليّ لم يأت من فراغ، بل هو بسبب الحنكة السّياسيّة للقيادة الفلسطيّنيّة، التي استطاعت وضع أمريكا وإسرائيل في عزلة دوليّة.
وبسبب هذا فإنّ الرّئيس محمود عبّاس الذي يتعرّض لضغوطات هائلة، قد يتعرّض لمحاولات لاستبداله، أو الخلاص منه بأيّ طريقة كانت، يجب أن يحظى بالتفاف شعبه حوله؛ ليحميه ممّا يحاك ضدّه، وهذا مطلوب من شعبنا أفراداً وتنظيمات وأحزاباً.
بقلم: جميل السلحوت
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها