هذه هي أميركا، يهودية أكثر من الحريديم، وتوراتية أكثر من كتبة التوراة الفولكلوريين الذين بدأوا كتابة التوراة بعد موسى بحوالي ستمائة سنة إلى ألف وخمسمائة سنة، وبينما اليهود يختلفون منذ القدم بشأن أسفار التوراة، هل هي الخمسة أسفار الأولى، أو أكثر أو أقل، فإن أميركا تؤمن بكل ما قيل وما يقال، لأن النصوص المتناقضة المتجاورة التي كثيراً ما ينفي بعضها الآخر، تتيح للأميركيين من حاجز التوراة أن يكيفوا النصوص على ما يوافق مصالحهم ورغباتهم وسياساتهم.

هذه هي أميركا، صهيونية أكثر من تمرد وفتيان التلال وقطعان المستوطنين، وجماعات الإعدام الميداني الذين يقولون علنا أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، والذين يسرقون أرض الفلسطيني علناً، ويبنون فوقها مستعمرة، ثم يدعون أن صوت الأذان في الفجر يزعجهم ولا بد من إسكاته، والذين يزعمون أنهم ليسوا محتلين بل هم عائدون إلى أرضهم بعد غيابهم عنها ألفي سنة.

وكلنا من أقصانا إلى أقصانا نعرف سلفاً ودون رتوش أن هذه هي أميركا، ودونالد ترامب رغم وعوده، ورغم حركاته التمثيلية السخيفة عندما يقف أمام الكاميرات، وحركات "البانتومايم" الغبية التي يقوم بها، لم يأت بجديد، من سبقوه كانوا أكفأ منه في الأداء فقط، فلقد زارنا كيري في رام الله في فلسطين قرابة ستين مرة، ولكن رئيسه أوباما اكتشف بعد ثماني سنوات أن القضية الفلسطينية صعبة جداً أكثر مما كان يعتقد، ونفس الشيء حدث مع من سبقوه من رؤساء أميركيين ديمقراطيين جمهوريين، فلماذا الصدمة؟؟؟

صحيح أن أحداً منهم لم يعترف أن القدس عاصمة لإسرائيل، وان أحداً منهم لم يأخذ قراراً بنقل السفارة الأميركية إليها، ولكنهم كانوا ينتظرون حدوث بعض العوامل، وخاصة من العرب، أن يقبل بعضهم، ويسكت بعضهم، كما قال هيكل يرحمه الله ذات يوم، ويبدو أن بعضهم قبل وبعضهم سكت لان لهم أولويات أخرى زائفة ، فلماذا الصدمة؟

نحن في القدس، قدسنا، التي هي جوهر هويتنا عربياً، ومحور عقيدتنا إسلامياً ومسيحياً، ومعنا قوى كثيرة أدانت قرار ترامب واستنكرت فيتو "هيلي" وسوف نستمر في الوجود والتصدي والمقاومة، هذا قرارنا وهذا وعدنا، فلنستمر فلنتهيأ، ولنستعد، ونواصل المعركة المقدسة.