لأي مشروع أو خطة عمل نحن تتعامل مع 3 متغيرات أو عوامل تصح في المشروع التجاري، كما تصح في المشروع السياسي والإعلامي الجماعي منه أو الشخصي.

وعوامل التحكم بالمشروع يخضع من خلالها وعبر (الإدارة/القيادة) حالة من التوازن إن استطاعت القيادة/الإدارة تحقيقها فان الخطة/المشروع تسير سيراً حسناً أي بشكل يحقق الأهداف بالانجاز، وهذه العوامل هي: المال والوقت والجهد.

إن الجهد البشري سواء الجسدي العضلي الفيزيائي، أو العقلي والنفسي، يعتبر الأساس الأول، لذا يجتهد التنظيم عامة ومنه السياسي - مجال حراكنا هنا - في عملية بناء الكوادر عقلياً ونفسياً وثقافياً ومجتمعياً، كي يتمكن هؤلاء من تحقيق الأهداف والانجاز.

الكادر المواظب

الكادر المواظب والقادر والشجاع والمؤهل لا يمكن أن يتساوى مع العضو الكسول أو الجبان والخوّار، وغير المؤهل، وعليه فإنه عند بناء الخطة يجب وضع الأشخاص المكلفين المؤهلين في الخانة أو البند الذي يتناسب مع قدراتهم أو مساحات حراكهم، وإلا وجب إخضاعهم للتدريب.

يكون للمال دوره في جعل المشروع حقيقة، من حيث توفيره أو التخطيط لتوفيره عبر إدارة التمويل، ومن حيث يُحسن توظيفه يُدار المشروع بكفاءة، أما إن أساء الاستخدام ودخلت عوامل التبذير أو اللاتخطيط والتخبط يصبح المال في النطاق التجريبي تخريباً للنفوس وتغطية على الفشل.

يعتبر الوقت عاملاً فريداً، فهو مما قد يَنظر له البعض باستخفاف كبير فيراهُ بلا ثمن! وهذه من أخطر النظرات، فهو مما لا غنى عنه، فما يصلح اليوم قد لا يصلح غداً والعكس بالعكس، وما ارتبط بزمن نتمكن من بلوغه وما يترك مفتوحاً قد لا يغلق أبداً، لذا فالاحتكام للوقت في التكليف والإعداد ومراحل التنفيذ ومراقبة التكليف أهمية قد تصل أحياناً لأهمية تحقيق الانجاز.

الإعلام والأكاذيب

في المشروع الإعلامي تحكمنا ثلاثة عناصر أساسية هي المال والوقت والجهد أكثر من أي عمل آخر لاسيما في ظل ثورة المعلوماتية التي أجهدت العقل البشري وأهدرت فيها الأموال، وأصبح الوقت عاملاً حاسماً يستدعي نبض القلوب وسرعة المتابعة والملاحقة والرد والاستجابة.

قال القائد المعلم خالد الحسن: أن الإعلام هو التنظير لقرارات القيادة التي اتخذت، أو التأهيل لقرارات ستُتخذ، وهذا التعريف الذي يصح في إطار التعبئة والتحريض التنظيمي الداخلي، فانه يحتاج لجهد أكبر في الإعلام المفتوح لجميع الناس اليوم.

إن الإعلام بكل بساطة هو ذكر الحقائق ومواجهة الأكاذيب، وذكر الحقيقة ليس أمراً سهلاً.

الأكاذيب ومنها الدعاية السوداء سهلة الانكشاف، وبياض الصدق ناصع، أما الأمور الكالحة أو الرمادية فهي الوباء الذي ينتشر في الشابكة اليوم.

ليس من الصعب أنك قد تنخدع مهما كنت (شاطراً)، فلا ترى الحقيقة ! وترى ما يريد منك الآخر أن تراه؟ لا سيما إن كنت غير مسلح في مواجهة السيل الخبري والتحليلي الإعلامي، خاصة والبوابات أصبحت مفتوحة على مصراعيها عبر الشابكة (انترنت) على ما هب ودب من خدع وتلفيقات وأكاذيب.

قد تواجهك حالات من الكذب والتلفيق والاتهام والتشويه والخدع لكنك قد لا تستطيع ببساطة أن تتصدى لها إلا بأن تبذل مجهوداً كبيراً للتمحيص وللفهم ثم للمواجهة، ويصبح العبء عليك لإقناع الآخرين بذلك وهذه مسؤولية أخرى.

قد تواجهك معلومات أو أخبار محيّرة ومربكة في حالات مثل (بتر الخبر) أو المعلومة فتراه مجزوءً، ناقصاً وفي الجزء المبتور المذكور حقيقة ولكنها حقيقة ناقصة، والنقص هذا يعطيها معنى مغاير كلياً، فكيف العمل وكيف الحكم وكيف التقدير؟

قد ترى الموضوع أو الخبر أو المقال (منقّيا) أي مشذباً مهذباً بشكل متعمد، أو معاد ترتيبه بشكل مختلف عما هو في الحقيقة، أو منقياً مما به من شوائب قد تضر برسالته، فخبر الإساءة لشخص أو دولة أو فصيل ما كمثال تراه من وجهة نظر أي من هؤلاء ضعيفاً أو فاتراً أو منقياً (مفلتراً) من كثير من أشواكه، وربما مزخرفاً بمعنى المزج مع الطرح الايجابي، إن التصفية أو التنقية تلغي الكثير مما بالخبر، وتقدم الجهة المعنية ما تريده منه، لاسيما في العناوين الرئيسة التي قد تكون بكثير من الأحيان لا تحمل مضمون الخبر أصلا.

وغالبا ما ترى الموضوع (ملوّنا) بلون العقيدة أو الفكرانية (الإيديولوجية) أو ملوناً بلون رغبات أو مزاج الزعيم أو حراس عرشه، أو بلون السياسة التي تتبعها الجهة مصدرة الموضوع أو المعلومة أو الخبر، أو بالعواطف الطاغية التي تشعل النفس وتلغي العقل، وهي تكتيكات لا تستطيع معها اتهام المصدر بالكذب، وان كان التحيز واضحاً، وعليك حينها أن تجتهد كثيراً لفصل الغث عن السمين ما نحتاج معه للوعي والوسيلة العقلية القادرة على التمييز.

الأزمة مريحة!

ومما ندركه جميعاً اليوم أنه في ظل الأزمات يصبح السيل الخبري أكثر قدرة على اختراق عقول الناس، فالأرضية مهيأة للتقبل لذا تكثر الدسائس وبث الأخبار المزيفة مباشرة، إذ لم تعد التغطية أو التمويه مطلوبة!

فتنتشر مقاطع مرئية (فيديو) يتحدث بها المتكلم بلغة أجنبية بغير الترجمة، فيصدق القراء المترجم! وترى التحليلات المنسوبة لمجلات أجنبية تافهة كأنها شاهد لا تنكسر شهادته، ويتناقل الجهلة أو أنصاف القراء وعديمي المنهج العقلي أحاديث لمثل كلنتون أو كيسنجر أو الكذاب نتنياهو قديمة يتم توظيفها بزمن مختلف، أو قديمة ولا تخص موضوع اليوم، أو هي أصلاً لم تقال أبداً على وزن ما انتشر مؤخراً حول ما قالته كلنتون بكتابها أن حكومتها وراء (داعش)، ولم يكن هذا القول من مسؤول منطقياً ولامادياً، عوضاً أن الكتاب بعد تحققنا لا يشتمل مطلقاً على أي كلمة حول ذلك، وقس عليه ما تشاء.

المواجهة الإعلامية، حين تتشرب أو تشبّع

إن ذكر الحقائق يفترض أساساً المصداقية والموضوعية والحيادية، وإن كنت لا أرى دقه في مفهوم الحيادية هذا عندما يكون الموضوع أو الخبر مثلاً في مواجهة الرواية الصهيونية المحتلة لأرضنا، حيث يصبح الانحياز للرواية العربية الصادقة انتصاراً للحق ورفضاً للكذب الكالح، وان تسمى ذلك عند البعض الأعمى عن الحق انحيازاً.

1-إن من آليات الحرب أو المواجهة الإعلامية ضد العدو- أو ضد الخصم بدرجة ووتيرة أقل- هو أن (تشرّب الموضوع أو المقال) بمعنى لا تتركه كما هو، وإنما تُضفي عليه تعليقات موجهة لا تضر بالخبر/أو المعلومة وهذه التعليقات المرتبطة بالخبر تتضمن سياسات التنظيم أونظرته لتنعقد المقارنة فلا يظل القارئ حائراً كيف يتخذ موقفه.

فمثلاً إن كان الخبر منقولاً من مصدر عبري يحتوى على ذكر ما يسمونه جبل الهيكل أو ما يسمونه يهودا والسامرة أو ما يسمونه وزير الدفاع، وجب العناية بالتوضيح أن الأول هو المسجد الأقصى (أحياناً يطلق عليه البعض اسم الحرم القدسي) والثاني اسم توراتي مزور، والثالث هو وزير الحرب، أو استخدام المصطلحات الصحيحة دون الالتفات للمصطلح المزور.

2-ومن الآليات (ربط الموضوع) أي حين ذكر الخبر السلبي عن التنظيم السياسي الذي تنتمي له تربطه بتاريخه الايجابي بخفة، دون إسفاف أو تقليل من السلبية التي من الممكن إن كانت هذه السلبية فاقعة عدم إنكارها بل وإخضاعها للنقد.

فحين يُذكر أن موقف حركة "فتح" في الموضوع السياسي (س) كان سلبياً يُشار لعديد المواقف في تكملة الخبر وهي المواقف التي حين تضعها إلى جانب ذاك السلبي تبدي حقيقة الصورة ولا تجعل الرأي منصرفاً للسلبية منقطعة عن تراكم الايجابي.

3-ومن الآليات (حقن الموضوع) فإذا كان الخبر يفضح الطرف الآخر أي الخصم، فلا تتركه يتحدث عن نفسه فقط، وإن كان هذا جائزاً حسب الجمهور المستهدف، لكن لا بأس بالإطار التعبوي من حُقنة كبيرة أو صغيرة تذكّر القارئ بمسلسل إساءات الجهة المعينة بالشواهد الصادقة، ومقارنة ذلك بمواقفها المتواترة المخالفة لمواقفك.

4-من الممكن حين كثافة الهجوم عليك كفصيل أو جهة ما أن تقوم بالرد بهدوء وليس بانزعاج وشتم واتهام كما الحال في غالب التنظيمات الفكرانية (الإيديولوجية)، وإنما بعملية رد عقلاني ضمن منهج (تشبيع الفكرة) بالدلائل الجليّة أو الحكم والحقائق أو الأمثلة والقصص ذات الصلة، وبأشكال متعددة بالكلمة، وبالصورة حيث المتحرك والثابت من الصور.

5-مما لا شك فيه أن الحرب الإعلامية تحتاج للكثير من الحس الشعبي والعاطفي وتحتاج أحياناً لإثارة النخوة والحماسة والشجاعة والوطنية خاصة في مواجهة العدو، وأحياناً الخصم، (وليس مشاعر الكراهية والحقد والنفور، والرفض المطلق، وابتزاز المشاعر) إلا أنه ما بين استثمار المشاعر أو استغلالها خيط رفيع يجب أن ندركه فلا تكون الاستثارة معتمدة على الأكاذيب أو الشحنات السلبية ولمصلحة آنية، وكلما ارتبطت الاستثارة العاطفية بهدف كبير ومصداقية وشعار واسع المساحة كثيرة الاحتمالات كلما كانت الآلية التعبوية أفضل، فلا نستغل الجمهور (أو نبتزه) عاطفيا عند كل نازلة أو مشكلة نقع بها، وقد يستدعي الآخرون في هذه الحالة الدين أو القومية أو العشيرة أو الطائفة ما هو خطر داهم.

لا للإهمال، وفن الرد

أن (إهمال الخبر) في عصر المعلوماتية لا يأتي بخير أبدا، فلست وحدك من يمتلك زمام الأمور إنه زمن ولّى، والقارئ المتعطش يظل يسعى للمعلومة لا سيما وهي بين أصبعيه وتحت ناظريه، فلابد هنا من الرد العلمي المباشر حيث الفكرة مقابل الفكرة، أو الحقيقة مقابل الافتراء، أو بالرد غير المباشر من خلال مواقف الناس وآرائهم.

إن وسيلة التوصيل للمعلومة الإنسانية هي أساساً الإنسان، ومن خلال الفكرة المصاغة التي يلوّنها بأصباغ أو صيغ متعددة، وعبر الإدارة للوسائط المرئية أو المسموعة أ والمقروءة.

وعليه ولحسن توصيل المعلومة أو الفكرة أو الموضوع فلا بد من حُسن الاتصال وفن استخدام كل من: الصورة والخيال، والإسقاط، ولعبة الكلمة والحديث، واستخدام التاريخي والموروث والمقدس، ومخاطبة العقل والعاطفة، والأمل، وتحقيق المقارنات والربط، والنبش والفحص واستخدام المجهر حيث وجب، وفوق كل ذلك لا مناص من الصدق، وإن اضطررت أحيانا (للدوران) حول الفكرة أو الخبر، أو اللجوء للنقد الذاتي بلا مواربة لفكرتك فلا تتردد.

العلم لا يشيخ

نحن نعيش في عصر مفتوح، لم يعد يقبل الفكرة النمطية الرتيبة، أو ربط العقول أو تأجيرها، رغم كم الخداع الفائض والذي يقع في حبائله الكثيرون، لذلك فان تعاملنا في بيئة (أطر) التنظيم السياسي، وفي سياق الاستقطاب أو الاتصالات، أو المواجهة التعبوية، والإعلامية يجب أن يكون بالعقل، والتعامل المنفتح قطعا على البيئة الخارجية.

وعليه يجب أن نرتكز على ضرورة:

1-تعلم أو بناء (منهج أو مناهج التفكير) السليم والمتزن لدى الأعضاء والكوادر.

2-بناء فكرة الفريق أو الجماعة النشطة والمتناغمة والمتعاونة.

3-بناء معنى الانتماء والولاء للجماعة والفكرة والعمل.

4-بناء فكرة تعانق العمل من حيث هو إبداع ومبادرة مع عقلية النقد.

5-الصعود إلى مرتبة الدارس والمتعلم من "مرتبة العالم العلامة والفهيم الفهامة!" التي يسبغها البعض على ذواتهم ويظن بها الكثيرون أنهم ختموا من العلم بحره فيما هو كما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام من المهد إلى اللحد.

إن البناء للمنهج العقلي والمبادرة الميدانية والفريق النشط المتناغم يجب أن يتكرّس في قواعد التنظيم السياسي بل وغير السياسي الصلبة، وبما يربط ذلك بفكر التنظيم وعقيدته وسياساته، وبتاريخه ومشاريعه المستقبلية، وبما يرتبط بالفكر المفتوح غير المغلق، وهو ذاته فكر المساهمات الفردية الواجبة للأعضاء والعائدات الجماعية من التنظيم عليهم، فنحن نؤثر ونتأثر بالمحيط، ولكي نكون المؤثرين يجب أن نمتلك مفاتيح الفكرة والكلمة ولا نستغني عن الصدق أبدا.