تنقسم شروط العضوية في الأمم المتحدة إلى شروط موضوعية تتمثل في استقلال الدولة وأن تكون دولة محبة للسلام، وشروط إجرائية تتمثل في إجراءات تقديم طلب العضوية بدءاً من الأمانة العامة للأمم المتحدة انتهاءً بموافقة مجلس الأمن بتسع أصوات من بينها أصوات الدول الخمسة الأعضاء، على اعتبار أن قبول الدول من المسائل التي تلتزم موافقة الدول الخمس الدائمة، واستنادً لهذه الشروط تفتقد فلسطين صفة الاستقلال، إلا أن هذا الشرط قد لا تنطبق على حالة الدولة الفلسطينية، وثانياً من المستبعد قبول طلب فلسطين بالدولة الكاملة العضوية تحت الاحتلال بسبب الفيتو الأمريكي المتوقع، وهنا لا بد من إبداء بعض الملاحظات الأساسية في موضوع فلسطين وعلاقتها بالأمم المتحدة، أولاً المسؤولية الدولية الكاملة عن القضية الفلسطينية، ومسؤولية الأمم المتحدة في نشئت إسرائيل كدولة، وفى عدم قدرتها أو فشلها حتى الآن في قيام الدولة الفلسطينية، وإلحاقاً للملاحظة الأولى لم تتوانى الأمم المتحدة في إصدار العديد من القرارات الدولية التي تمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير، والتأكيد على إنهاء الاحتلال، وبطلان كل القرارات والسياسات التهودية والاستيطانية التي قامت بها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية والملاحظة الثالثة أن قرارات الشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم تبقى قائمة وملزمة ولو معنوياً للدولة المخاطبة وهنا إسرائيل، بل قد نذهب بعيداً للقول إن شرعية إسرائيل كدولة لا تكتمل إلا بتطبيق هذه القرارات، وبقيام الدول الفلسطينية، إذن إسرائيل دولة منقوصة الشرعية من منظور الشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة. وفى السياق نفسه لا بد من التأكيد إن الأمم المتحدة قد حافظت على استمرارية القضية الفلسطينية بقراراتها وبحضور القضية في كل مناقشات الأمم المتحدة بكل فروعها، وبحفاظها على قضية اللاجئين من خلال الدور الذي تقوم به وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.وما زال القرار 181 الذي بموجبه تم الاعتراف بدولتين عربية ويهودية مع وضع دولي للقدس، هذا القرار ما زال صالحاً للنقاش، والاستناد إليه في التقدم لطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، يفترض أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية العربية قائماً، وهنا الملاحظة المهمة أن تقدم الفلسطينيين بدولة في حدود الرابع من حزيران 1967،أي بما يقل عن مساحة الدولة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بخمس وعشرين في المائة، يعتبر تنازلاً طوعياً من قبل الفلسطينيين وتأكيداً على رغبتهم في السلام، وحل القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية مساهمة لتحقيق الأمن والسلام العالميين. والآن السؤال ماذا يعني قيام أو القبول بدولة كاملة العضوية تحت الاحتلال؟ وما هي الآليات التي من خلالها يمكن التحول من وضع دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال؟ قبول فلسطين كدولة محتلة أي غير كاملة السيادة يعني تحولاً نوعياً في إدارة وحل الصراع، ونقل المسؤولية إلى الأمم المتحدة أو تفعيل المسؤولية الدولية لإنهاء الاحتلال، من خلال العمل على تطبيق بنود الفصلين السادس والسابع لميثاق الأمم المتحدة، وإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها، وإلا ستنطبق عليها العقوبات الدولية التي يقررها ميثاق الأمم المتحدة. وهنا قد يقول قائل إن الولايات المتحدة ستلجأ للفيتو، وهذا صحيح، لكن الأمر يختلف لأننا نكون أمام دولة كاملة العضوية، وإشكاليتها إنهاء الاحتلال الذي هو مسؤولية دولية، وسيمنح هذا الوضع الفلسطينيين هامشاً أوسع للدخول في كافة المنظمات الدولية، وفي حقها اللجوء للقضاء الدولي، والمحكمة الجنائية بشكل اكبر، والأهم في قبول العضوية كاملة العضوية هو تطبيق وترجمة فعلية لكافة قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وهذه نقطة في غاية الأهمية بالنسبة لتفعيل الشرعية الدولية ، وأيضاً رفع حق فلسطين في التقدم مباشرة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بمشاريع قرارات خاصة بإنهاء الاحتلال أو اللاجئين أو القدس، وهو ما يعني تساوي التمثيل الدولي لفلسطين وإسرائيل. ولا يعني تفعيل مسؤولية الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال، الركون عن الخيارات الفلسطينية السلمية والشرعية لإنهاء الاحتلال، وهذه ملاحظة أيضاً مهمة فلسطينيا، بما يعني لا بد من توافق الخيارات الفلسطينية مع الخيارات الدولية لإنهاء الاحتلال، وإلا سينعكس ذلك سلباً على وضعية فلسطين في الأمم المتحدة. وهنا السؤال ماذا يعني عدم التوافق مع الخيارات الدولية ؟ هنا الاجتهادات قد تتعدد لكن قد يدفع ذلك إلى إدانة الدولة الفلسطينية، على اعتبار التزامها بالسلام والأمن وعدم اللجوء إلى خيارات وأساليب غير شرعية. وهو ما يستوجب من الفلسطينيين مراجعة كافة خياراتهم، والالتزام بالمقاومة السلمية، وبالمفاوضات والوساطات الدولية، وهي الوسائل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. أعود للتساؤل ما هي الوسائل التي بموجبها يمكن التحول من دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال؟ بداية الإجراء العادي بالتقدم بطلب إلى الأمين العام ويحول الطلب لمجلس الأمن للحصول أولاً على تسع أصوات للقبول من بينها الدول الخمس، وهذا احتمال مستبعد تماماً ومتوقع، لكن الهدف من ذلك بعدها نقل طلب العضوية الكاملة للجمعية العامة استنادً للقرار رقم 377 والمعروف بقرار الإتحاد من اجل السلام، فأولاً لا بد من التأكيد والنجاح في إقناع الدول الأعضاء ومجلس الأمن أن هذا القرار ينطبق على الحالة الفلسطينية ،أي الربط بين الدولة الفلسطينية والسلام والأمن العالميين وان عدم قيام الدولة الفلسطينية يعرض السلام والأمن العالمي للخطر، وهذه مسألة ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة، ثم ثانياً ضمان تأييد ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في جلسة طارئة ،أي إن القبول بالدولة الفلسطينية يحتاج لتأييد لا يقل عن مائة دولة، واعتقد إن هذا أمراً ممكناً .
لا شك إن هذا الخيار ورغم تعقيداته لكنه سينقل المعركة الدبلوماسية والسياسية الحقيقية لأروقة الأمم المتحدة، وتدرك إسرائيل ومعها الولايات المتحدة إنها معركة خاسرة لهما. فلم تعد الولايات المتحدة الدولة التي كانت تتحكم في وقت ما بثلثي أصوت الدول الأعضاء، ولم تعد سياسات إسرائيل تلقي التصديق من قبل العديد من الدول، لكن يبقى المتغير الفلسطيني ، والرقي بالخيارات الفلسطينية، وبناء نظام سياسي ديمقراطي توافقي تعددي شرطاً مسبقاً لنجاح هذا الخيار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها