ونحن نتتبع قعقعة سلاح المناورات العسكرية الجارية في دول الإقليم، وارتفاع وصخب وتيرة التصريحات المتبادلة، وما تشهده دول المنطقة من تطورات دراماتيكية يتبادر للذهن سؤال رئيس هل ذلك مؤشر على انفجار دوامة الحرب أو الحروب في الإقليم؟ وألم يسقط خيار مبدأ الفوضى الخلاقة؟ وهل ما زال لدى الدول قدرة على تحمل تبعات الحروب؟ وإذا كان هناك حرب هنا أو هناك من هو صاحب المصلحة الآنية والإستراتيجية بذلك؟ وهل هناك حرب إقليمية أم حروب بالوكالة؟ وفي حال حدوث حرب إقليمية ما هي ملامحها؟ هل ستكون حرب تقليدية بكل الأسلحة أم ستكون حرب بأسلحة نوعية محدودة الزمن وترك تداعياتها على الشعوب لتتحرك ضد الأنظمة؟ وهل الأقطاب الدولية ستسمح للولايات المتحدة وإسرائيل بفرض أجندتهما على العالم؟ بمعنى هل الحرب قدر لا مفر منه أم هناك إمكانية للحؤول دونها؟

قبل الإقرار من عدمه باشتعال حرب أو حروب، يمكن الإشارة لوجود حروب أهلية ونزعات مسلحة تحت مسميات مختلفة (اليمن والعراق وحتى في إيران)، ومن جهة ثانية لا بد من لفت الانتباه لوجود أكثر من وجهة نظر في هذا الشأن. بعضها لا يرى وجود مؤشرات حقيقية للحرب، معتقداً أن ثمن أية حرب سيكون مكلفاً وغالياً على الجميع. وحسب أصحاب هذا الرأي، فإن ما جرى ويجري من تجاذب بين القوى لا يعدو أكثر من ابتزاز واستنزاف معنوي لهذا الخصم أو ذاك، ووضعه في دائرة الإرباك، ودفعه لإعادة النظر في مرتكزات سياساته، وهنا المقصود إيران، بمعنى إبلاغها رسائل بعدم الاقتراب من الحدود الإسرائيلية السورية، وممنوع عليها إقامة أية موانئ أو قواعد في الأراضي السورية. لكن من جانب آخر هناك وجهة نظر أخرى تشير إلى أن المعطيات في دول الإقليم توحي بوجود حروب بالوكالة، لاسيما وأن لإسرائيل مصلحة خاصة وإقليمية بذلك، وهي تسعى لتوريط إدارة ترامب بعمليات حربية مباشرة أو بواسطة الوكلاء وتقديم الدعم اللوجستي لها. ولكن هذا التقدير لا يعتبر الحرب قدراً، بل يمكن وأد هذا الاتجاه بفعل عوامل موضوعية.

لا يحتاج المرء جهد لتحديد الدول المتوقعة للانخراط في الحروب مباشرة أو نيابة عن غيرها: إسرائيل، أميركا، لبنان، اليمن، العراق وإيران ودول الخليج وعلى رأسها السعودية. الاتجاه العام للحرب أو الحروب سيكون بالوكالة، لكن الحرب المتوقعة بشكل مباشر ستكون بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. ويعتقد المراقب أن الحرب قاب قوسين أو أدنى. وهي ليست لسواد عيون السعودية، كما يحاول بعض كتاب الرأي الإسرائيليين ان يشيروا، انما هي حرب إسرائيلية خالصة، ووفق بعض التقديرات أن قرار الحرب قد أتخذ، ولم يبق سوى تحديد ساعة الصفر لإشعال فتيلها. ثانياً سيتم الاعتماد على القوى الداخلية الإيرانية المعارضة لنظام الملالي بلعب دور في فتح أكثر من جبهة داخل إيران، فضلاً عن القيام بحملة اغتيالات ضد شخصيات نافذة في النظام وأيضاً من قيادات المعارضة. ولعل اغتيال المناضل العربي المعارض أحمد المولى، رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في أوروبا الأسبوع الماضي يشكل مؤشر على ذلك. وهذا التوجه سيساهم في تصعيد حدة التوتر بين الحكم ومعارضيه، فضلاً عن وجود اشتباكات في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد الإيرانيين مع قوات النظام الفارسي، وسيتم تحريك القوى من القوميات الأخرى بما في ذلك الفرس المعارضين لنظام خامئني للمضاعفة من زعزعة استقرار النظام، وخلق الشرط الملائم للفوضى البناءة، بالإضافة لاستخدام الولايات المتحدة وإسرائيل الملف النووي كورقة ضغط على نظام ولاية الفقيه. ثالثاً تحريك قوى المعارضة العراقية ضد الوجود الإيراني وأنصاره في العراق لمضاعفة استنزاف القوى العسكرية الإيرانية وحلفائها في الساحة، والحد من قدرتها على استخدام أدواتها في المنطقة. رابعاً تعزيز قوى الشرعية في اليمن على الأرض وخاصة في العاصمة صنعاء بما يضعضع من سيطرة ونفوذ الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح. خامساً بالمقابل ستقوم إيران باستخدام كل أوراق القوة المتوفرة بيديها لتهديد استقرار دول الخليج العربي الأربع: السعودية، البحرين، الكويت والإمارات من خلال أدواتها وخلاياها النائمة والمعلنة.

هذه السيناريوهات المحتملة لاستنزاف الحكم الإيراني الفارسي بهدف إسقاطه إن أمكن أولاً، فتح جبهة الصراعات الدينية والطائفية والأثنية في إيران ثانياً، وإخراجه من دول الجوار العربي وأفغانستان ثالثاً، والتخلص من الملف النووي الإيراني رابعاً، وتسيد إسرائيل على دول الإقليم خامساً. لكن هل هذه السيناريوهات ممكنة وقابلة للتنفيذ أم هناك عقبات وعراقيل أمامها؟ وهل روسيا الاتحادية تسمح بذلك؟ وما هي حدود قدرتها على تعطيلها أو الحؤول دون ترجمتها على الأرض؟ وهل أوروبا ستقبل بإحداث تحولات دراماتيكية في دول الإقليم لا تحمد عقباها من فوضى قد تطالها في المستقبل؟

من المؤكد لا روسيا ولا أوروبا تقبل بخلط الأوراق وفق مشيئة أميركا وإسرائيل. لاسيما وان العالم لم يعد هو ذاته، الذي تشكل في أعقاب الحادي عشر من أيلول 2001، ولم تعد أميركا القطب المقرر، ودخل العالم عصر تعدد الأقطاب. وبالتالي لم يعد ممكنا لأميركا باختطاف العالم ثانية لمحوطتها وهيمنتها. وفي حال حدوث هكذا تطور نوعي، فإنه يحتاج إلى توافق وإعادة رسم للخرائط قبل ولوج الولايات المتحدة لهكذا عملية. ولم يعد بإمكان أميركا تجاهل روسيا وأوروبا أو غيرها من الأقطاب، أضف إلى أن العديد من أقطاب أوروبا أصبح نسبياً في حالة تنافر معها، وبالتالي ما كان ممكنا في 2001 و2003 لم يعد قابلاً للتطبيق الآن. الأمر الذي يشير إلى إمكانية إفشال السيناريوهات الأميركية الإسرائيلية.

في كل الأحوال دول وشعوب الإقليم مقبلة على أحداث جسام خطيرة. من الصعب التنبؤ بما يحمله المستقبل. لكن المؤكد ليس هناك سيناريو لا يمكن تعطيله وإفشاله إذا تضافرت الجهود الدولية لإسقاطه. وقادم الأيام وحده الكفيل بالإجابة على مجمل التكهنات والفرضيات السلبية والإيجابية.