التطورات المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية منذ يوم السبت الماضي، بعد تشكيل لجنة لمكافحة الفساد والتي سرعان ما قامت باعتقال عدد كبير من الأمراء (أحد عشر أميراً) ورجال الأعمال (38 رجل أعمال) ووزراء سابقين، والتحفظ على أموالهم بتهمة الفساد، تشير إلى ما يشبه الانقلاب الداخلي أو عملية تطهير في السلطة تمكن الأمير محمد بن سلمان من الإمساك بزمام الأمور وإحكام قبضته على السلطة بشكل كامل ومطلق، خاصة بعد أن قام بعزل الأمير متعب بن عبد الله قائد الحرس الوطني ليلتحق بابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي سبق وتم عزله من ولاية العهد ووزارة الداخلية، وبهذا يسيطر تماماً على ثلاث أذرع: الأمن الدفاع والداخلية والحرس الوطني، وعزل وزير الاقتصاد والتخطيط، وأحال قائد قوات البحرية إلى التقاعد.

ولعل اللافت هو اعتقال ثلاثة من كبار رجال الأعمال منهم الأمير وليد بن طلال مالك شركة (روتانا) ووليد إبراهيم مالك (أم بي سي) وصالح كامل صاحب شركة (إي آر تي).

وفي مقابل التغييرات التي تحدث في المملكة والتي توصف بعملية "الإصلاح" الأكبر من نوعها هناك تصعيد في النبرة السعودية ضد إيران، وبالتأكيد تمثل استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري فصلاً من فصول هذا التصعيد، وهي ربما تقود لبداية مشاكل جديدة في لبنان تستهدف "حزب الله" والنفوذ الإيراني.

ولا شك في أن الطريقة التي استقال فيها الحريري غريبة ومفاجئة خاصة أن الاستقالة حصلت في السعودية ولم تقدم إلى المؤسسة اللبنانية حسب الأصول.

والانتقاد اللاذع الذي تضمنته رسالة الاستقالة التي تلاها الحريري لإيران و"حزب الله" تشكل تغييراً دراماتيكياً في موقفه، خاصة أنه قد التقى علي أكبر ولايتي مستشار مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي للشؤون الدولية في يوم الجمعة الماضي، ويبدو أن هذا اللقاء قد أغضب المملكة خاصة إذا ما أضيف هذا إلى تعيين سفير لبناني جديد لدى سورية.

ولعل زيارة الرئيس أبو مازن العاجلة تثير تساؤلات حول الترتيبات القادمة فيما يتعلق بإيران والعلاقة معها أيضاً، خصوصاً أن المصالحة الفلسطينية قد خطت خطوتها الناجحة الأولى، وباتت الطريق ممهدة للخطوات القادمة التي تستكمل بسيطرة السلطة على قطاع غزة ودمج حركة "حماس" في قيادة منظمة التحرير وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.

وبعض الأخبار المتناقلة عن هدف دعوة الرئيس أبو مازن تتحدث عن السعي لمحاصرة إيران وإبعاد "حماس" عن هذه الدولة وبالذات بعد الزيارة التي قام بها عضو المكتب السياسي للحركة صالح العاروري على رأس وفد لطهران ولقائه مع المسؤولين الإيرانيين. وقد يكون الموضوع السياسي وخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أيضاً تم تداولهما خلال زيارة الرئيس.

في كل الأحوال يبدو واضحاً أن المنطقة مقبلة على تطورات أو تحولات تهدف إلى إعادة خلط الأوراق بشكل يؤثر في نتائج الحرب في سورية، تلك الحرب التي انتصر فيها محور النظام السوري وإيران و"حزب الله" وروسيا.

وربما يكون الهدف الأبرز لهذا التوجه هو استهداف إيران باعتبارها "العدو الأكبر" للعرب ولإسرائيل وأميركا. وقد تكون السعودية رأس الحربة في مواجهة إيران، حيث يتعدى الأمر الحرب الدائرة بشكل غير مباشر في اليمن والتي خرجت عن نطاق ما يمكن أن تتحمله السعودية بعد وصول الصاروخ اليمني إلى مطار الرياض العاصمة.

وبالطبع ستكون إسرائيل هي الرابح الأكبر من تأجيج المواجهة مع إيران لتحقيق ما تريد من خلال العرب، وأداتها في ذلك الضغوط الأميركية التي تمارسها إدارة ترامب على الدول العربية، والتي قد تدخل المنطقة في حروب ومواجهات جديدة تأكل ما تبقى من مقدرات الشعوب العربية.

 

والرئيس ترامب يحب المغامرة وتتناقض سياسته تجاه إيران حتى مع وزير دفاعه جيمس ماتيس، الذي يؤيد الاتفاق النووي مع إيران ويعتقد أنه في صالح أميركا - حسبما أدلى بشهادته في الكونغرس حول ذلك، وكذلك مع وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي يبدو أنه لن يكمل ولايته حسب تغريدات ترامب نفسه وهو أعقل من ترامب وأكثر اعتدالاً. ومن يقود السياسة الخارجية الفعلية هم مستشاروه الأقرب إلى إسرائيل.

ليس من مصلحة العرب معاداة إيران والتعامل معها كعدو وجودي كما تدعي إسرائيل، وأي خلافات معها يمكن حلها بطرق الحوار والتفاهم على المصالح المشتركة.

أما أن تدخلنا الولايات المتحدة في صراع مع إيران لأسباب تتعلق برؤية إسرائيلية هي كذلك غير واقعية حتى بالنسبة للعقلاء في إسرائيل، الذين يعتقدون أن إيران لا تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وأن المبالغة في الحديث عن الخطر الإيراني هو من باب إلهاء الرأي العام عن مسائل أكثر أهمية وخطورة كاستمرار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتطور الفاشية والعنصرية في إسرائيل، فهذا يضر بالمصالح العربية ويضر بأمن واستقرار المنطقة ويدخلها في دوامة العنف والإرهاب وسفك الدماء وإهدار الموارد والطاقات. ويجب على العرب ألا يكونوا أداة بيد أي طرف خارجي. ومن باب أولى علينا نحن الفلسطينيين أن نبتعد عن السقوط في حسابات إقليمية أو دولية هدفها إشعال المنطقة وتضر أساساً بمصلحتنا، كما ينبغي أن نتمسك بخيار الوحدة والمصالحة الوطنية وألا نخضع لضغوط تمس بها.