لم تكن ولن تكون استقالة سعد الحريري من منصبه كرئيس للحكومة اللبنانية، شأناً لبنانياً خالصاً، لا لأن إعلان الاستقالة جاء من عاصمة العرب السعودية فقط، وإنما لأن الاستقالة جاءت على خلفية التدخل الإيراني الفظ في الشأن اللبناني، وهو التدخل الذي ترسم سياساته طهران، وعلى نحو استراتيجي خطير، ليمتد في أكثر من دولة وموقع ...!!

ومع ذلك لن ندخل، ولن نتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، التي نرجو لها دوما سلامة الحال، لكنا في مواجهة التدخل الإيراني وهو يحاول التمدد في ساحتنا الفلسطينية "بعلاقات" تمويل وخطب شعاراتية، مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وقد انضم لهما مؤخرًا على نحو فج "فصيل يساري" دون أي تفسير ماركسي ولا وطني مفهوم (..!!) نقول في مواجهة هذا التدخل لن نقف مكتوفي الأيدي، ولن نسمح به على أي نحو كان، وهو الذي يخطط لأن يستنسخ تجربة "حزب الله" في فلسطين لتتسع خارطة "الإمبراطورية الفارسية" التي بات الحديث الإيراني عنها علنًا، كما جاء في تصريحات وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، والتي قال فيه أيضا "نحن أسياد المنطقة"..!! هذا يعني وببساطة شديدة أن التدخل الإيراني لا يريد تحرير فلسطين، ولا يسعى لتحقيق أية مصلحة فلسطينية، بقدر ما يريد الهيمنة والسيادة والسيطرة الاستحواذية، فهل تعي "فصائل طهران" هذه الحقيقة وتدرك حجم هذه المخاطر التي يؤلفها التدخل الإيراني..؟؟

أخطر من ذلك أن تأليف سلطة داخل السلطة في ساحتنا الفلسطينية، مع وجود الاحتلال الإسرائيلي، إنما هي وصفة لتدمير المشروع الوطني، مشروع الدولة، مشروع الحرية والاستقلال، لأننا في مواجهة الاحتلال وفي النضال الوطني لدحره، لا نحتمل تنازعاً في القرارات الإستراتيجية، ولا مغامرة في المصالح الوطنية العليا، ودون سلطة واحدة وإدارة واحدة وسلاح واحد، لن تكون مواجهتنا للاحتلال، مواجهة مجدِية، وقادرة على تحقيق كامل أهدافها العادلة.

إن أية علاقات لفصائل العمل الوطني، مع المحيط الإقليمي ما لم تنطلق من قاعدة الوحدة الوطنية، والقرار الوطني المستقل، بمواقفه الراعية للمصالح الوطنية العليا، لن تكون سوى علاقات التابع للمتبوع على أقل تقدير، ولا تابع بوسعه أن يقرر موقفاً بهذا الاتجاه أو ذاك، ما لم يكن اتجاهاً يخدم مصالح المتبوع "السيد" الممول سياسة ومواقف وأموالا ...!!

إن استقالة الحريري هي استقالة تعليق الجرس، وقد علق برقبة "دهقان" الذي بتنا نعرف تماماً من تصريحاته الوقحة، من هو المتربص بمستقبل هذه الأمة ودولها، كي تكون مجرد نقاط في خارطة الإمبراطورية الفارسية ..!!