خاص مجلة "القدس" العدد 342 تشرين اول 2017
بقلم: احمد النداف


منذ تسلم الرئيس الاميركي دونالد ترامب المعروف بتهوره وغبائه السياسي واتخاذه قرارات متسرّعة، والتي يغلب عليها منطق المقامرة، ارتفعت اسهم احتمال اندلاع حرب شرق اوسطية جديدة انطلاقاً من الجبهة اللبنانية، ارتباطا بتحفظاته وتنكره للاتفاق النووي الايراني مع المجتمع الدولي المعروف باتفاق الخمسة+ واحد، بما فيهم الولايات المتحدة الاميركية نفسها وعلى خلفية ان مواجهة إيران يجب ان تبدأ ضد حلفائها في المنطقة وتحديداً حزب الله في لبنان والذي وضعته الحكومة الأميركية في خانة المنظمات الارهابية الدولية  واتخذت بحقه سلسلة من القرارات العقابية ذات الطابع الاقتصادي والمالي والتي ثبت أنها لم تؤثر على نشاطاته وإمكاناته.
وانطلاقاً من هذا الواقع إضافة إلى تحليلات سياسية وعسكرية مدعومة بتحركات عسكرية إسرائيلية في محاذاة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة كان أبرزها إجراء مناورات اعتبرت الأكبر والأكثر شمولاً اشترك فيها مختلف أنواع الأسلحة التشكيلات البرية والجوية، بدأ المراقبون والمحللين يتلمسون احتمالات نشوب اعتداء جديد ضد لبنان استناداً لرؤية اميركية - اسرائيلية مشتركة تراهن على استنزاف قوة حزب الله المنخرط في الحرب السورية إلى جانب النظام والجيش السوري في كثير من المواقع والجبهات.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة (هآرتس) تقريراً تحدث عن احتمال وقوع حرب محتملة ضد لبنان، وتضمن تهديداً للدولة اللبنانية باستهداف كل البنى التحتية لتعيده عشرات السنين إلى الوراء، وكذلك استهداف الجيش اللبناني على خلفية المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون والتي اكد فيها ان سلاح حزب الله مهم ودوره يكمل عمل الجيش اللبناني ولايناقضه، وهو جزء أساسي في الإستراتيجية الدفاعية للمنظومة اللبنانية للدفاع عن لبنان طالما ان إسرائيل لا تزال تحتل أراضي لبنانية وتطمع  بثرواته، وهذا التصريح الذي أكده الرئيس اللبناني أكثر من مرة تعتبره إسرائيل الغاء للتمييز بين الدولة وحزب الله لتخلص الصحيفة الإسرائيلية المعروفة بقربها من القيادة العسكرية والسياسية في نفس الوقت بأنها تحمّل لبنان المسوؤلية الكاملة عن (هجمات حزب الله المحتملة).
 وفي هذا السياق أعاد رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي للأذهان مايعرف بعقيدة الضاحية التي تتحدث عن تنفيذ تدمير شامل للمناطق المعروفة بأنها تشكل البيئة الحاضنة للمقاومة وحزب الله على كامل الأراضي اللبنانية، مثلما فعل الجيش الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت أثناء حرب تموز 2006.
 كما انتشرت تحليلات عن معادلة وتطابق مصالح ورؤيا بين الرئيس الاميركي ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو، على قاعدة ان اسرائيل لديها الفرصة الكبرى في الوقت الحاضر (للقضاء على حزب الله) في هذا الوقت بالذات بسبب تشتت قواته وتوزيعها على أكثر من جبهة من سوريا فالعراق فاليمن وان أي تأجيل لها حتى العام المقبل ستجعلها اصعب بكثير مما هو عليه في الوقت الحاضر، حيث سيكون حزب الله أكثر قوة وقدرة تدريبية وتسليحية نوعية مما يؤثر على تغيير التوازن الردعي لصالحه بشكل كبير، لعل أبرزها تنامي القدرة الصاروخية المرعبة على المجتمع الإسرائيلي ودوائر القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، وهي تؤكد أن رقم ال 100 الف صاروخ في العام 2006 سيصبح رقما ضئيلا بما ستصبح عليه القدرة ساعتها لدى حزب الله. والتي ستسمح له إطالة أمد المعركة واتساع رقعتها إلى مناطق أخرى تصل حتى الجولان السوري المحتل وصولاً إلى إمكانية اختراق الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة والسيطرة على عشرات المستوطنات اليهودية على طول الحدود اي بمعنى آخر نقل المعركة إلى داخل العمق الإسرائيلي، وهو ما يناقض الاستراتيجية الإسرائيلية الحربية التي تعتمد على إشعال الحروب خارج الحدود وفي عمق (العدو) كما درجت العادة منذ قيام الكيان الإسرائيلي على اساس ان المجتمع هناك لا يحتمل حروبا مهما كانت نتائجها النهائية ان تدور رحاحها في عمق الجبهة الداخلية.
ولهذا ينشط خبراء إسرائيليون في تحليلاتهم وقراءاتهم للوضع الحالي على طرفي الحدود اللبنانية -الفلسطينية المحتلة وصولا إلى السورية والتي تتحدث عن طبيعة المجتمع الإسرائيلي الذي تدنى فيه مؤخراً ومنذ سنوات منسوب معنوياته إلى درجة كبيرة متأثراً بخطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أضحى في نظر المجتمع الإسرائيلي أكثر صدقية من قيادته السياسية والعسكرية على حد سواء، والتي كان آخرها نصيحته للمستوطنين اليهود بمغادرة الاراضي الفلسطينية إلى البلدان التي استحضروا منها كي لا يكونوا مضطرين لدفع اثمان حرب جديدة يلوح افقها وتجرهم اليها قيادتهم  (الغبية) ومراهنات الادارة الترامبية الهوجاء وهو أي المجتمع الاسرائيلي بات على قناعة تامة بان ما لدى الحزب من قدرات ومفاجآت اكثر بكثير مما هو معلن عنه، مستذكرين خطاباته حول استهداف السفن الحربية والتجارية ومنشآت البترول البحرية والقواعد العسكرية والمطارات ومحطات الطاقة ومستودعات الامونيا في حيفا ومعامل التكرير وأخيراً المفاعل النووي في ديمونا الواقع في صحراء النقب البعيدة نسبيا عن مسرح العمليات المحتملة في اي حرب قادمة.
 ومن جهتها الصحافة الإسرائيلية تلوح باقتراب اندلاع حرب جديدة كانت تنتظر ضوءاً أخضر أميركياً أصبح اليوم يسأل ماذا تنتظرون؟. لتخلص هذه الصحافة إلى أن الحرب آتية لا محالة والاختلاف حولها يدور حول  توقيتها وهي قد تندلع في أي وقت ولأي سبب كان. إلا أنها تضيف عاملاً جديداً واضافياً تقول إنها لا يمكن إنكارها متعلقة بالأزمة السياسية الداخلية في الحكومة الاسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو والتي قد تصل إلى نهاية بالغة الصعوبة في حياته السياسية، اذا لم يحقق انجازاً  تاريخيا يغطي عمليات التحقيق وتغفر له التهم بالفساد والرشاوي وسوء استخدام السلطة، وهي تهمٌ كفيلة بالقضاء على مستقبله السياسي، مما يعني ان مصيره سيكون اصعب من مصير سلفه أولمرت المسجون حاليا وبحكم قضائي بتهم سوء استخدام السلطة قبل وصوله الى سدة رئاسة الحكومة وتعود لفترة رئاسته لبلدية القدس المحتلة بينما تهم نتنياهو حديثة العهد وتعود لفترة ممارسته لرئاسة الحكومة.
 ويضاف إلى ذلك كله ودائما طبقا لتحليلات الصحافة الاسرائيلية أزمة اخرى لا تقل خطورة على المجتمع الاسرائيلي، متعلقة بفقدان الثقة بالجيش الإسرائيلي بعد إخفاقات متعددة سواء في لبنان او في غزة وهو أمر يعتقد بأنه لا بد من إنتاج حرب جديدة تعيد ما يسمى (هيبة) الجيش الاسرائيلي ومطالبته بتحقيق نصر استراتيجي وهو يدرك بأنه لا يمكنه تجاهل تقارير عسكرية تتحدث بأن قدرات حزب الله ستزداد وستكون اكبر بكثير مما كانت عليه مع مرور الزمن والوقت وبالتالي فإن خوض المعركة (الحرب الآن) ستكون أقل خسائر منها بعد عامـ على اعتبار ان حزب الله يكون قد راكم قدرات تسليحية وتدريبية اكثر بكثير مما هو عليه الواقع الان، على الرغم من ادعاء سلاح الجو بأنه نجح في تدمير عشرات القوافل القادمة من إيران عبر سوريا لصالح حزب الله.
وفي مقابل ذلك تشير المعطيات على صعيد المقاومة وتحديدا حزب الله وبالخصوص أمينه العام بأنه يأخذ هذه التهديدات على محمل الجد ولم يرتبك أمام سيل التهديدات والتهويل الاسرائيلي - الاميركي المشترك ويعلن استعداده لعشرات من المفاجآت التي لم تكن بحسبان لا الجيش الإسرائيلي ولا القيادة  العسكرية التي أرسلت وفوداً رفيعة المستوى تصل إلى درجة رئيس الأركان للقيام بزيارات مهمة للعاصمة الأميركية للقاء نظرائها الامريكيين تفسر بأنها تحضيرية لما هو قادم.
ويبقى السؤال هل تُقدم القيادتان الاسرائيلية والاميركية على مغامرة خطيرة قد تشعل المنطقة برمتها  قد تكون تعلم توقيت البدء فيها ولا تعرف نتائجها وآثارها الاستراتيجية، أم سيردعها توازن ردع يدركه مختلف الاطراف؟.