المقال الذي أرسلته للاخوة في مجلة "القدس" في لبنان، وهي المجلة الحركية الراكزة والرصينة، والوحيدة التي تصدر شهريًّا وبشكل دوري منذ سنوات، كان عنوانه هو (الشخصية المزركشة والمأسورة للقمع)، ولما كان الموضوع الذي يتعرَّض للاستبداد موضوعًا مازال يُهيمن على كثير من المجتمعات خاصّةً مع انحسار موجة إرهاب "داعش" نسبيًّا، وعودة تعملُق استبداد وإرهاب الدول مثل الارهاب الصهيوني الذي لا يقارن، واستبداد وإرهاب الأنظمة كما الحال مع النظام السوري والنظام العسكري في ميانمار وغيرهما، فإنَّ إنزال المقال على شكل حلقات يُصبِحُ قابلاً للاستيعاب من فئة أكبر، وبشكل سلس، وبعد التوكُّل على الله نبدأ مع الحلقة الأولى من 5 حلقات.

  تعيش المجتمعات الاستبدادية حالةً مُتصلةً من الرعب والخوف الشديد لدى أفراد المجتمع، ولدى الجماعات فيه لأنَّ شخصية المستبد الطاغية وعصبته الأمنية لا تجعل لأيِّ شخص ينظر أو يسمع أو يتكلَّم إلا وفق الرؤيا الخارقة والفكر المبجل المعظم.

 ويتشكَّل الشخص المستبد (الديكتاتور) من رذالة المحيطين به، فكلَّما أشار بإصبعه وجد العشرات من الإمّعات يتراكضون لتلبية طلبه وهو في أشد حالات إشارته يطلب لفافة تبغ (سيجارة)، وعندما يتفوَّه المستبد الظالم فإنَّ كلام الله يخرج من فمه كالعطر الفواح عند زبانيته، وعندما يُلقي أوامره الثقيلة تجد من العصبة المحيطة به من يبرِّرها على سخافتها أو سماجتها أو حماقتها.

حوار الكواكب

كان هذا بداية لحواري من صديقي القادم في إجازته السنوية من كوكب آخر

قال لي: هل أنت تشير كما يبدو للوضع العربي السلطوي الحالي أم ماذا؟

قلتُ له: إنَّ هذا الكلام باعتقادي صالحٌ لكل زمان ومكان، فعندما كتب الشيخ عبدالرحمان الكواكبي ظنَّ كلُّ مستبد أنَّه يتحدَّث عنه، فتكالبت عليه الكلاب فأردته شهيد الكلمة.

قال: إذن أنت لا تتحدَّث عن دولة أو نظام بعينه؟

قلتُ: أنا أصلاً قد كتبت هذا الكلام أو مثله منذ سنوات أي في العام 2013 ونحن اليوم بالعام 2017 لذا فليس للموضوع صلة بما يحدث هذه الأيام بهذه الدولة أو تلك تحديدًا.

وأضفت: وكما قلت لك هو الكلام الدائم والصالح لكل زمان ومكان.

ثُمَّ قلتُ: إن الفكر دائم، والثقافة جامعة، والحضارات متفاعلة، والتعارف والتواصل الايجابي سمة الخلق، بينما السياسة نسبية ومتغيّرة، وتتراوح حين الهبوط بين الفساد والمفسد والأفسد لا سيما عندما تتعانق فكرة الأنا العظمى مع الجوقة المزركشة للعباءات.

الفساد يعلو أيضا عندما تتعانق الفكرة الدينية السامية مع المتغير السياسي الأناني المصلحي، ولك العودة لجدنا الكواكبي لتقرأ.

الفساد السياسي يتعملق أيضًا عندما يُلقي السياسي بالثقافي التعبوي والأخلاقي القيمي في سلة الزبالة، فيصبح الكتّاب والمفكرون والمصلحون والوعاظ والمثقفون مجالاً مفتوحًا للتندر والاتهام أو الشتم أو الاهمال المقصود.