أعلن خالد مشعل، رئيس حركة حماس في الدوحة مساء اول أمس الوثيقة الرسمية الجديدة المقرة من مؤتمر الحركة، بعد ان واجه إعلانها رفض فندقان عقد المؤتمر الصحفي بشأنها، مما أجل الإعلان عنها لساعات قليلة أربكت قيادة حماس في العاصمة القطرية.
وقبل الخوض في ملامسة مواد الوثيقة السياسية الجديدة، فإن الضرورة تملي الإقرار، بأن هذه الوثيقة، هي برنامج حركة حماس للمرحلة السياسية المقبلة. وبالتالي ليست وثيقة العمل الوطني الفلسطيني. غير ان ما تتمتع به حركة حماس من ثقل في الساحة الفلسطينية، يجعل من وثيقتها محل إهتمام وقراءة مدققة ومعمقة، للوقوف على جديدها، إن كان هناك جديد او السعي لسبر أغوارها، وإستشراف افاقها. وكي تكون القراءة معمقة ومسؤولة للوثيقة، لا يجوز للمراقب السياسي او الإعلامي فصل ما تضمنته الوثيقة عن الواقع المعاش. أضف إلى ضرورة الإبتعاد عن الجانب الشكلي في القراءة. لإن ذلك لن يؤمن قراءة جادة وموضوعية للوثيقة.
من حيث الشكل يعتبر المراقب، ان الوثيقة حملت جديدا سياسيا، تمثل في  أولا القبول بإقامة دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ لكن هذا القبول، لا يعني الإعتراف بإسرائيل، ولا يسقط خيار مواصلة النضال لتحرير كل فلسطين التاريخية. وهنا هلل الكثيرون من المراقبين لهذا "التطور"، على اعتبار انه نقلة "نوعية" في مسار حماس السياسي. وهذا غير صحيح، لإن حركة حماس أعلنت عشرات المرات وعلى لسان قادتها المختلفين من بينهم خالد مشعل نفسه عن قبولها بالدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ليس هذا فحسب، بل قبلت بالدولة ذات الحدود المؤقتة، والأخطر انها تواصل التمسك حتى الآن بالإمارة في قطاع غزة. ومن هنا الحديث عن الدولة على حدود 67، يتناقض عمليا مع الواقع على الأرض. ولو كانت حماس معنية فعلا ومن حيث المبدأ بما حملته الوثيقة، لغيرت سلوكها السياسي، وقبلت بعودة الشرعية لمحافظات الجنوب. ثانيا  رغم تأكيد الوثيقة على البعد الإسلامي الناظم لحركة حماس في المستويات المختلفة، إلآ انها لم تعلن صراحة عن إرتباطها بجماعة الإخوان المسلمين. مع ان ابو الوليد في المؤتمر الصحفي، أعلن بشكل واضح، ان حركته جزء لا يتجزء من مدرسة الإخوان. وبالتالي محاولات إيجاد الفصل بين الحركة والتنظيم الدولي، ليست أكثر من محاولة شكلية، ولو كان هناك إستقلالية نسبية لحركة حماس، لسعت فعلا لتوطين نفسها في المشهد الوطني نظريا وعمليا. لكن اي من ابعاد عملية التوطين لا اساس لها ي الواقع السياسي او التنظيمي او الثقافي او الوطني العام، بل ان كل مظاهر الممارسة تقول عكس ذلك. ثالثا تتحدث الوثيقة في المادة (29) عن منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني للشعب الفلسطيني. ولم تشر من قريب او بعيد، بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني. وهو ما يعني بشكل واضح، ان حركة حماس تستطيع ان تقيم إطارات موازية او رديفة او بديلة لمنظمة التحرير. وهذه المادة تعكس التوجه غير الإيجابي (إن شاء المرء التحدث بلغة حوارية بعيدة عن الأقصوية في قراءة خلفيات حماس)، وتحمل في طياتها مواصلة توجهاتها غير الوحدوية. رابعا في المادة (21) ترفض حركة حماس إتفاقيات اوسلو، وتعتبرها مخالفة لقواعد القانون الدولي، وترفض ما ترتب عليها من التزامات وخاصة التنسيق الأمني. إذا كانت فعلا حماس ترفض إتفاقات اوسلو، وتعتبرها كما ورد أعلاه، لماذا شاركت بانتخابات 2006 البرلمانية؟ ولماذا تنسق مع إسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر عبر وسطاء دوليين؟ ولماذا تسيطر على قطاع غزة الواقع حتى اللحظة تحت الإحتلال الإسرائيلي، ولم يتحرر كما تدعي حماس، رغم إعادة الإنتشار منه؟ ولماذا وقعت على اتفاقيات الهدنة أكثر من مرة مع دولة إسرائيل، وتلتزم باستحقاقات تلك الإتفاقات؟ وبماذا تختلف عن ما تضمنته اتفاقيات أوسلو؟ أليست اتفاقيات اوسلو على ما تحمله من مثالب ونواقص أفضل مليون مرة من تلك الإتفاقات المذلة والمهينة؟