منذ عقود، كُلما يحدث خلل أمني في أي منطقة لبنانيّة، من دون ربطه بالمخيمات إذا أمكن، وبالفلسطينيين بوجه عام سواء كان لهذا الربط أساس حقيقي أم لا.
هذا السلوك مارسته أكثر من سلطة إقليميّة ومحليّة، رسميّة أو ميليشياويّة. وذلك لأغراض متعددة.
لكن الحقيقة التي لا يريد احد الإقرار بها إن المخيمات ومنذ عام 1982، أي بعد خروج قوات وكوادر منظمة التحرير، انتقلت إلى حالة الوصاية الأمنيّة، تارة للدولة اللبنانيّة ولمدّة طويلة للنظام السوري، والميليشيات التابعة له، اللبنانيّة والفلسطينيّة.
وصاية وضعت المخيمات في حالة إستخدام مستمر. وفي هذا السياق كان للمخيمات دورٌ في صراع الميليشيات اللبنانيّة، كما كان لها نصيبها من تلقّي الضربات عندما قررت منظمة التحرير وحركة فتح إنهاء تلك الحالة الإستخدامية، الأمر الذي فتح صفحة مريرة من الصراع الفلسطيني – السوري كان ابرز تجلياته حصار حركة أمل للمخيمات ومن ثمّ سيطرة التحالف الفلسطيني الموالي لسوريا على هذه المخيمات في بعلبك وطرابلس وبيروت.. واستمرت تلك السيطرة بإشكال مختلفة حتّى اليوم.
ما تقدم يدل على إن الوجود الفلسطيني في لبنان محكوم بنظرة إستخداميّة، تعتبره خزاناً بشرياً للمعارك من دون إعفاء بعض القيادات الفلسطينيّة من المشاركة في عملية الإستخدام هذه ولصالح أجندات غير فلسطينيّة.
منذ عام 1989 حتّى عام 2005 كانت المقاربة الوحيدة للوضع الفلسطيني بشكلها الرسمي تلخّصها عبارة واحدة وردت في "إتفاق الطائف" تنص على توافق الأطراف اللبنانيّة على رفض التوطين، بينما أتُّخِذت في ظل سلطة الوصاية السوريّة جملة إجراءات جعلت الحياة شبه مستحيلة داخل المخيمات. والحال كذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا تنشأ حالات التطرّف القصوى في هذه البيئة؟!
خبرة اكبر مخيمين
ثلث اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون في مخيمين (عين الحلوة ونهر البارد) مع إضافة كتلة سكانيّة ملحقة بهما من مختلف الجنسيّات.
مخيم عين الحلوة يُعتبر المركز الأساس لحركة فتح ومنظمة التحرير، بينما مخيم نهر البارد كان تحت سيطرة المنشقين والتنظيمات الموالية لسوريا.
في نهر البارد لا توجد رواية أكثر وضوحاً من رواية شاكر العبسي وتنظيم "فتح الإسلام".
فهو لم يُخفِ علاقته بأجهزة الأمن السوري ولا كيف تمكّن من السيطرة على المخيّم كما لم يخفِ الأهداف المكلف بها. ومن يدقق في كيفية إنتهاء معركة شاكر العبسي يدرك إن الغموض الذي لفَّ تلك النهاية إنّما هو مرتبط تماماً بالبدايات.
إنّ تجربة مخيم نهر البارد تصلح للدراسة كـ نموذج للسياسات التي إنتهجها النظام السوري في إستخدامه المستمر للمخيمات الفلسطينيّة في لبنان.
في مخيم عين الحلوة نحن أمام مشهد مختلف لأنه محسوب سياسيّاً على منظمة التحرير وحركة فتح بينما ينشط داخله عشرات الشبكات، الأمنيّة القادرة على إختراق حصاره بكل يسر والقادرة على التزود بما يلزمها من سلاح ومخدرات وغير ذلك. وبهذا أصبح المخيم ملاذاً للمطلوبين أيضاً في قضايا مختلفة. لكن في كل مرة تحزم حركة فتح أمرها لإنهاء ظاهرة من تلك الظاهرات المفضوحة الأهداف يتبيّن من خلال تحريك مفاجئ للقوى السياسيّة أنّ الحسم ممنوع.. وهذا الأمر عليه شواهد عديدة؟ فالمخيّم مطلوب ان يتبقى في خانة "الفزاعة" او الحاضنة "للإرهاب".
ويكفي ملاحظة ان المجموعات المتطرّفة نفسها رفعت رايات التنظيمات الإرهابيّة على التوالي من دون إستثناء (جند الشّام – جند الله – فتح الإسلام – أنصار الله – القاعدة – النصرة – داعش... إلخ" لا فرق لديها بين راية وأخرى حيثُ يطغى الجانب الوظيفي على الجانب العقائدي.
وفي تعليقات ساخرة من عامّة الناس في المخيم يمكن ان يسمع المرء كلاماً مثل (المتطرّفين في المخيم على الموضة ومع آخر صرعه إسلاميّة) او أنّهم يتّخذون قراراتهم حسب مزاجهم وما "يتعاطون".
القوى والأطراف خارج منظمة التحرير في عين الحلوة هي:
أولا: عصبة الأنصار اكبر جماعة سلفية مسلحة وتضم حوالي ٤٠٠ مقاتل.
ثانيا: الحركة الإسلامية المجاهدة بقيادة الشيخ جمال خطاب وهي ذات نفوذ أدبي نظرا لوسطيتها ودورها التصالحي.
ثالثا: أنصار الله بقيادة المنشق عن فتح جمال سليمان وتضم حوالي ٣٠٠مقاتل من المية ومية وعين الحلوة تتبع مباشرة للاستخبارات السورية علي المملوك وتسلح وتمول من حزب الله.
رابعا: تجمع الشباب المسلم ويضم جماعات مثل:
جماعة اسامة الشهابي
جماعة هيثم الشعبي
جماعة بلال بدر
جماعة عماد ياسين
جماعة رامي ورد
وهذه جماعات تتراوح أحجامها بين ٤٠ إلى ٧٠ عنصر لكنها جماعات شرسة ولها علاقات أمنية مع الأجهزة اللبنانية ومخترقة من حزب الله وكذلك نفوذ المخابرات السورية داخلها كبير ومثال على ذلك إن جمال سليمان هو من يمول ويسلح جماعة بلال بدر تلك الجماعات مشتركة تسيطر على نصف المخيم خاصة الأحياء الداخلية الضيقة كما إن حركة حماس تحتفظ بصلات قوية مع هذه الجماعات وترفض أن تستفرد فتح بأي منها وتعتبرها خط دفاع أول، أما حركة الجهاد فان وضعها ضعيف لكن كلمتها مسموعة وتساعد في جهود التهدئة لذلك فان الانقسام في المخيم سرعان ما يتحول إلى طرفين إسلامي وعلماني ومهما كان الموقف المعلن لحركة حماس أو عصبة الأنصار متوافق بالسياسة مع الإجماع العام إلا إن الوضع الميداني مختلف حيث يسارع الإسلاميين إلى نجدة بعضهم.
سياسياً:
تتفق القوى الإسلامي في المخيم على منع فتح من حسم أي معركة كذلك السياسة السورية منذ انشقاق أبو موسى حتى اليوم تعمل على منع فتح من الحسم في عين الحلوة، ألان حزب الله وبعض الأجهزة المحلية من مصلحتها منع فتح من الحسم تلك ثوابت السياسة الأمنية في عين الحلوة.
اخيراً:
الجماعات الإسلامية المتطرفة المتحالفة تحت مسمى الشباب المسلم سواء فتح الإسلام أو جند الشام أو أنصار الله كلها عبارة عن امتداد لجماعات في الوسط اللبناني أي لها ظهير في الجوار.
لذا فإن معركة الحسم الأمني في مخيم عين الحلوة يعتريها تعقيدات جمة، يصعب حسمها من طرف حركة فتح و م.ت.ف منفردتين، فلا بد من التوافق اللبناني الفلسطيني التام بشأن عملية الحسم، وفرض الأمن والاستقرار في المخيم وتوفير الحياة الكريمة لسكانه بعيداً عن كل هذه الإستقطابات التي تهدد أمنه وأمن لبنان أجمع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها