غادرنا المناضل الوطني الكبير نمر حماد صباح اليوم إلى دار الخلود الابدي في العاصمة اللبنانية بيروت، التي احببناها وعشقنا احياءها وشواطئها وشعبها الشقيق ومخيماتها الفلسطينية. ابو المجد ابن الكويكات العكاوية، المولود في مطلع اربعينيات القرن العشرين في فلسطين قبل نكبتها، ذاق مرارة الطرد والتهجير من قريته إلى الشتات، حيث حطت أسرته رحالها في سوريا. وكان يدرس في الجامعات المصرية الطب، قبل ان يفرض عليه مغادرة مصر دون إكمال دراسته لاسباب سياسية بعد انفصال سوريا عن مصر 1961، وأكمل تعليمه في جامعة دمشق. ومن الاشياء التي ذكرها لي في لحظات الحوار الثنائي في مكتبه في المقاطعة (رام الله) ، انه كان يقيم مع المناضل والقائد العراقي طارق عزيز، لاسيما وان الصديق نمر كان عضوا بحزب البعث العربي الاشتراكي، وربطته صداقات قوية مع قيادات البعثين السوري والعراقي. وعمل في الاذاعة السورية مع القائد المغفور له عبد الله حوراني. ثم التحق بالثورة الفلسطينية. قبل ان يوفد سفيرا لفلسطين في ايطاليا. التي اقام فيها زمنا طويلا، حتى ان عائلته مازالت تقيم هناك حتى يوم الدنيا هذا (اقصد اسرته الصغيرة). ونجح وفق ما اعلم في نسج علاقات وطيدة مع القيادات الايطالية من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، اضف الى انه اقام شبكة علاقات قوية وحميمية مع السفراء العرب والاجانب في روما.
ربطتني علاقة احترام متبادل مع مستشار الرئيس ابو مازن للشؤون السياسية، نمر حماد منذ توطدت علاقاتنا بالمعنى النسبي بعد انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية عام 2007. دائما يستقبل ضيوفه بابتسامته الطيبة، كان كريما في مكتبه وبيته، الذي كنا نرتاده بين الحين والآخر مع جمع من الاصدقاء والمعارف المشتركين . فلسطيني حتى النخاع، ووطني أصيل، ومدافع عن الشرعية بلا تردد. دافء اللسان، على الاقل امامي لم اسمعه يتعرض للاخرين باي سوء. رغم انه احيانا يكون ممتعضا ومستاءا من تصرفات او اقوال ومواقف البعض غير الدقيقة. يحرص دائما على مناقشة الرؤية السياسية بالرد الموضوعي. منفتح إلى حد بعيد. وغير متزمت سياسيا بتاتا. لكنه لم يكن مفرطا باي حق من الحقوق والثوابت الوطنية. ويتعامل بروح عالية من المسؤولية مع التطورات. وان اخطأ لا يشعر بالغضاضة في التراجع عن فكرته. لكنه عندما يشعر بعدالة وقوة فكرته، يدافع عنها بعناد، ولكن بهدوء المحاور. من خلال تجربتي المتواضعة معه، لم اراه متوترا إلآ ما ندر. وفَّي لمن يحب. ولم يتردد في الدافاع عن اخوة واصدقاء تبنى ترشيحهم لبعض المواقع . لانه كان يؤمن بسياسة دحرجة الفكرة عند صاحب وصانع القرار. وان فشل مرة، يكرر خياره في لحظة مناسبة اخرى حتى يصل لما يصبو اليه.
مستشار الرئيسين ابو عمار وابو مازن كان يعرف حدوده. لا يتجاوزها. ولم يتطاول على احد. لكنه لم يغفر لاي انسان اساء له او تطاول عليه. اثقل عليه الرئيس ابو مازن بالمسؤوليات، فبالاضافة الى انه المستشار السياسي، حمله مسؤولية متابعة ملف المنابر الاعلامية مطلع اب/اغسطس 2012 التابعة للرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعدد من الصناديق، منها صندوق الطالب، ورئيس مجلس ادارة جريدة "الحياة الجديدة" ورئيس لجنة إصلاح وتطوير مستشفى فلسطين في القاهرة .. ورغم المرض كان حريصا على متابعة مسؤولياته بالقدر الممكن.
رحل المناضل نمر حماد، حيث تقيم اسرته منذ زمن في لبنان/ مخيم برج البراجنة المجاور للضاحية الجنوبية من بيروت بعد أن اعياه المرض العضال، واستنزف كل طاقة من المقاومة، سيشيع إلى مثواه الاخير في مقبرة الشهداء بالقرب من مخيم شاتيلا. لكن ابو المجد باق بيننا ومعنا برصيده الوطني الكبيرة، الذي يمتد على مساحة العقود الخمس الماضية تقريبا من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة وقيام السلطة الوطنية. رحم الله المناضل الكبير حماد، والعزاء الاخوي العميق لاسرته الصغيرة والكبيرة وللرئيس ابو مازن والقيادة الفلسطينية كلها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها