لم نعد نصدق كلام قادة الجماعات الاسلاموية، فكلامهم كالزبدة المدهونة في الليل تذيبها شمس النهار، وان كنا نأمل حقا التماس مصداقية لكلام خالد مشعل رئيس سياسة حماس في حديثه عن الشراكة الوطنية في الجلسة الحوارية التي اجراها مركز الجزيرة للأبحاث والدراسات وبثتها قناة الجزيرة القطرية مباشرة .
ايا كانت النوايا، وعما اذا نبت وعي وطني فجأة في بيئة الاخوان المسلمين بعد زلزلة ما سمي بالربيع العربي، والانزلاقات المدمرة التي حدثت لهم في أكثر من بلد عربي بعد زلزال الشعب المصري الأعظم في المنطقة، وبعد التسليم بالعجز في انتزاع قلب حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وتبديله بآخر( اخواني ) صنع في عهد امبراطورية بلفور وزمن وعده بانشاء وطن لليهود ( جماعات اوروبية دينية )، والفشل الذريع في تغيير وجه الشعب الفلسطيني من تحرري ديمقراطي حضاري الى عصبوي فئوي، متطرف يبدو وكأنه يسير بعكس اتجاه الزمن والتطور الفكري والثقافي الانساني، ايا كانت فان ما يعنينا في كلام مشعل الذي بلغ ال60 عاما التالي:
اولا : اقرار مشعل بأن حماس لم تك يوما حركة تحرر وطنية فلسطينية، وانما فصيل مسلح لجماعة الاخوان المسلمين، موجود فعلا في تضاريس جغرافية فلسطين، التي هي القضية المركزية للأمتين العربية والاسلامية، وأن استثمارها سيعود بأعظم الفائدة على الجماعة، وتحديدا في تسهيل الانقضاض على انظمة الحكم العربية لتكريس امبراطورية الجماعة وحكمها الذي تنسبه زورا وبهتانا الى شرع الله !.
ثانيا : اقرار واعتراف من رئيس سياسة حماس بان دخولهم الانتخابات التشريعية عام 2006 بعد تحريمها وتكفير وتخوين المشاركين فيها، والانقلاب عام 2007 الذي روجوه تحت مسمى الحسم العسكري كانا مرحلتين متقدمتين ضروريتين وتجربتين لابد منهما تنسحب عليها تجارب فروع الجماعة في البلدان العربية للاستفراد بالسلطة والحكم، رغم ادراكهم ان السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال الاسرائيلي !.
قال مشعل :" الإسلاميون وقعوا في خطأين خلال مرحلة الربيع العربي؛ أولهما المبالغة في تقدير الموقف بالنسبة للواقع، وسلوك القوى المتضررة من الربيع على المستوى المحلي والإقليمي.وذلك كان بسبب قلة الخبرة، وغياب المعلومة الدقيقة، والوقوع في فخ تضليل الطرف الآخر، والمبالغة في الرهان على القوى الذاتية.
أما الخطأ الثاني، فهو خلل ونقص في التعامل مع شركاء الوطن، مضيفًا "ثبت بالتجربة العملية أن الأغلبية في الصناديق مهمة، لكنها لا تكفي للانفراد بالقرار والمؤسسات".
واضاف مشعل :" استسهلنا أن نحكم وحدنا. ظننا أن ذلك أمر ميسور، واكتشفنا أن ذلك ليس سهلا. نظرية البديل نظرية خاطئة، المنهج الصحيح هو الشراكة والتوافق
ثالثا :اعلان العجز والاستسلام، والفشل في استبدال الولاء والانتماء للوطن التاريخي والطبيعي فلسطين الى ولاء وانتماء للجماعة مختوم بالقسم مع رفع السبابة الى السماء.
رابعا : البناء على الظن ( الاثم ) والفهم الخطيئة بأن حركة كحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح يمكن ان تكون كاي جماعة يعرفونها، او حزب محدد الصلاحية، وان زمانها قد ولى، ووضع الشوك في عيون أعضاء وانصار حماس حتى لايتمكنوا من رؤية الحقيقة وهي ان حركة فتح تستمد روحها وحياتها وحيويتها وشرعيتها من انفاس الشعب الفلسطيني، من تراب وماء وسماء وهواء وجبال ووديان ارض فلسطين، فالاوطان لاتنتهي صلاحيتها الا عند الذين يكفرون بالوطنية، ولايؤمنون بجغرافيا وعلم ودستور الوطن .
أقر مشعل باقتراف حركته أخطاء في تجربتها، قائلاً:" زارني عضو مركزية في حركة فتح أثناء تواجدنا في دمشق، وقلت له، أخطأنا لما ظننا أن زمن فتح ولّى وأننا البديل ".
خامسا : كاي خطيب من خطباء الجماعة الذين تمرنوا على لي عنق الحقائق بسلاسة وكسر عظامها دونما سماع اي صوت لعمليات الكسر الوقحة، حاول مشعل انكار تدخل جماعته وعلى اساس طائفي في صراعات داخلية في دول عربية، فهو تحدث عن :" التخفيف من الاستقطاب الطائفي رغم إدراكنا لمعاناة الشعوب من التأطيرات الطائفية والتدخلات الخارجية" الا ان قادة جماعته في قطاع غزة مازالوا يطرحون مشروع الدويلة الاسلاموية ويجبرون الناس على اتباع تفاسيرهم ومفاهيمهم واساليبهم في الحياة .. بنفس الوقت الذي يمررون عجلة التكفير على رقبة كل من لايتبعهم .
سادسا : قال مشعل : "إسرائيل مرتاحة، وقضية فلسطين أصبحت مهمشة، لا بل هناك محاولة لخفض السقوف الفلسطينية كطرح التطبيع قبل التسوية ودفع فواتير لصالح إسرائيل، ومحاولة خلق قيادة فلسطينية جديدة، وتأجيل الانتخابات، إذا كانت تخدم الإسلاميين وتدعم شرعية المقاومة، وكان المزيد من الحصار لحماس".
هذا الكلام يكشف زيف ومراوغة مشعل ومحاولاته لتجميل حديثه عن الشراكة الوطنية، لكنا لانرى فيه الا قبحا مهما حاول ستره، فهو لايرى في الانتخابات الا مصلحة الاسلاميين، ولا يراها مصلحة للوطن والشركاء فيه، أما الحديث عن خلق قيادة فلسطينية جديدة، فنعتقد انه مازال يذكر محاولاته لصنع منظمة تحرير على المقاس في اجتماعاته في دمشق مع الفصائل التي تسميها حماس ( المجهرية ) بحضور سفير ايران، يوم كانت دمشق قاعدة تبشيراته السياسية، فهل تراه قد اعترف واقر بهذه الخطيئة ام تراه يظن اننا نسينا ؟!.
سابعا : يحاول مشعل تثبيت الخطيئة كفضيلة، فهو يعترف بان اخطاء جماعته قد تسببت بالحروب على الشعب الفلسطيني وتحديدا في قطاع غزة، وجلبت له الحصار، لكن ان يسميها ويدعوها منجزات فهذا لعمرنا كبرى الخطايا فهو قد قال :" وقعنا في أخطاء، لكننا حققنا منجزات، وقدمنا نماذج غير مسبوقة في خوض الحصار والحروب والبقاء قريبًا من شعبنا أثناء الحصار".
ثامنا : خادع مشعل في هذه المداخلة الدخيلة على العقلانية الناس فهو ينزع من حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وطنيتها ويحاول الباسها ثوبا يبدو للعيان انه ديني، وهذا مغاير لمنطق وتفسير ومعنى حركة التحرر الوطنية حتى لو كانت دينية لاشك فيها ابدا، فمشعل قد قال: "حماس هي حركة مقاومة، وحركة تحرر وطني معركتها الأساسية ضد الاحتلال،، لكن بلا شك هي ذات فكر إسلامي، ولها أداؤها السياسي". ما يعني انها مجردة وخالية من الفكر الوطني، الذي يلتقي فيه كل المؤمنين بالرسالات السماوية في الوطن، فعن اي فكر اسلامي يتحدث مشعل فيما مئات الجماعات الاسلاموية المتطرفة والارهابية اشدها تدعي امتلاكها فكرا اسلاميا وسياسة اسلامية ؟!
تاسعا: "أرى أننا في هذه المرحلة محتاجون إلى القراءة الدقيقة لواقعنا، وأن نطور أنفسنا في الفكر والسياسة والتنظيم، وبقدر حرصي على التطوير بقدر مقتي للخضوع الآخرين وتمييع المواقف".
سنعتبر كلام مشعل مجرد خض للماء في قربة مقطوعة مالم تخرج جماعته للشعب الفلسطيني بالزبدة صافية لاشائبة فيها، فهو يتحدث عن قراءة للواقع وتطوير للفكر والتنظيم، لكنه بدا كمن يحاول تمييع الأمور، وتقليد قادة الاخوان ( حزب حركة النهضة ) في تونس فلم يفلح، زاد انه انزلق في ( طشت ) كلامه المميع فهو قد قال :" أرى أننا في هذه المرحلة محتاجون إلى القراءة الدقيقة لواقعنا، وأن نطور أنفسنا في الفكر والسياسة والتنظيم، وبقدر حرصي على التطوير بقدر مقتي للخضوع للآخرين وتمييع المواقف".
عاشرا : اقرأوا كلام مشعل واكتشفوا أن لا فرق بين مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس 2016 ومشعل الأمس والغد الا اذا قرن القول بالفعل، لن تحدث معجزة الاخوان المسلمين ويؤمنون بالوطن حتى ولو صدق مشعل .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها