شاعر ينشد الحياة في آخر السماء

بعيداً عن الجدل والفكر الجامد، يتعاطى الشاعر الفلسطيني عبداللطيف عقل مع مسألة الوطن كقضية تظهر جدل العلاقة، وصورة الواقع المستفز بين حقيقة ما يجري على أرض الواقع، وبين ما يطمح اليه كل انسان مؤمن بحقه في الحياة، وكأعتراف بما هو موجود من تناقض، وربط هذه العلاقة بين الشاعر وواقعه كعلاقة حب وتعلق، وكعلاقة جوهر مع المادة. ظهرت بصورة فنية وشعرية آخذة بعين الاعتبار التحولات التي طرأت على بنية القصيدة. فالشاعر ابن قرية دير أستيا – فلسطين، نشأ على اليتم بفقدان آبيه وزواج أمه ووفاة أخته ووقوعه في السجن، كل هذه التيمات خلقت منه شاعراً ومفكراً وكاتباً مبدعاً. أنهى علومه العليا في علم الاجتماع والدراسات الفلسفية في سوريا، وتابع دراسة الدكتوراه في أمريكا في علم النفس التجريبي. درّس في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، وخرّج أجيالاً كثيرة، وشغل منصب رئيس قسم الدراسات العليا في كلية التربية، وثم عميداً للدراسات العليا والبحث العلمي.

من أهم أعماله التي لاقت صدى كبيراً وعالمياً مسرحيته "البلاد طلبت أهلها" 89، ومسرحية "الحجر في مطرحة قنطار". أول أعماله الشعرية "شواطئ القمر"64، توفي عام 1993 وهو في قمة عطائه وانشغالاته الفكرية والأدبية وإنارة الظلام المحدق في الواقع الفلسطيني.

في لغته الشعرية عمق ثوري اكتسبه من خلال ثقافته المتنوعة، التي لم تقيده بدائرة الذات الضيقة، بل نهل معجمه اللغوي من الدائرة الأوسع، وهي دائرة الحياة بكل أثقالها وأحمالها، وفلسفة الكثير من النظريات والفرضيات التي جهد في الكشف عن حقيقتها خارج نطاق "الأنا"، وساهم بشكل مميز في الحركة الثقافية الفلسطينية، من خلال عطائه المتجدد. أصدر العديد من الدواوين الشعرية والكتب التربوية، والمقالات الفكرية التي تعكس في مضامينها الوضع الفلسطيني في الداخل والخارج.

من دواوينه "أغاني القمة والقاع"، "هي... أو... الموت"، "قصائد عن حبر لا يعرف الرحمة"، "بيان العار والرجوع" وغيرها. في المسرح كتب مسرحية "المفتاح"، "العرس"،"تشريفة بني مازن" وغيرها.

أسس في شعره صورة للحياة بكل اضاءاتها والتمعاتها وعتماتها وانكساراتها في طقوس الوطن، وخزان الذاكرة، يقول: "سأعود للدار الصغيرة في أقاصي الريف يحملني جناح دمي الجديد/ سأعود يا أمي الصبورة/ لا تخافي طلبت بلادي أهلها/ حتى وان سكنوا المقابر في المنافي هذا مكاني." تراكم لديه أرث شعري عميق الابعاد يجسد صورة الظلم الواقع والناتج عن وجود الاحتلال وانعكاس هذه المعطيات والدلالات على قضية الشعب الفلسطيني، يحيث تتناغم الفكرة بين البنية والفعل. يقول في خطاب الانتفاضة: "وشوش الطفل مقلاعه، مثلما  وشوش الماء حَبّ البدار/ وشوش أمّه امرأةٌ حلوة في الجوار/ على جملة رسمتها يد في طلاء الجدار/ حذارِ الحذار."

ظل عبداللطيف عقل جذوة مشتعلة تضيء عتمة الطريق وتنسج هالة من القداسة على قضية عادلة لم يتراجع عنها ولم يتوان عن الوقوف في وجه ممارسات الصهاينة المحتلين لأرضنا، حتى لفظ أنفاسه الاخيرة وهو يهتف باسم هذه القضية.