على مدى اربعين دقيقة جال الرئيس محمود عباس امام منبر الجمعية العامة للامم المتحدة على الوضع الخطير، الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، الذي أوصل المشهد الى حد الاختناق نتاج استشراء جرائم وانتهاكات وسياسات دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، ما دفعه لدق ناقوس الخطر امام العالم لتحمل مسؤولياته لحماية شعبنا من ارهاب دولة إسرائيل المنظم، الذي اوصد كل الابواب والنوافذ امام خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

لم يترك الرئيس ابو مازن شاردة او واردة، إلا وتعرض لها بكثافة ووضوح شديدين، محملا حكومة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن انغلاق الافق امام عملية السلام، التي قدم لها الشعب الفلسطيني وقيادته كل شروط النجاح والتقدم. ودعا العالم خاصة ومجلس الامن والجمعية العامة والامين العام ورئيس الجمعية العامة إلى: اولا تأمين الحماية الدولية لشعبنا، الذي يتعرض على مدار الساعة واماكن عبادته الاسلامية والمسيحية لاستباحة همجية ووحشية من قبل الحكومة الاسرائيلية وقطعان مستوطنيها للشعب الفلسطيني ومصالحه الخاصة والعامة  تتنافى مع ابسط قوانين وشرائع ومواثيق الامم المتحدة. واشار الرئيس الى حرق عائلة دوابشة بما في ذلك الاطفال، الطفل علي، الذي احرقته قطعان المستعمرين، والطفل الشهيد محمد ابو خضير، الذي احرقه وقتله المستوطنون قبل اكثر من عام، وقبل ذلك قتل الطفل محمد الدرة، الذي صادف امس الثلاثين من ايلول ذكرى استشهاده، وبالسياق اشار لمجزرة دير ياسين عام 1948، رابطا بين الماضي والحاضر، وذكر العالم بقرارات حكومة نتنياهو الاخيرة، التي اعطت الضوء الاخضر لجنود جيش الموت واجهزة الامن الاخرى بقتل الاطفال والشباب والشيوخ والنساء، الذين يدافعون عن قضيتهم بشكل سلمي. ثانيا وجه الرئيس عشرات الاسئلة لمندوبي الدول الاعضاء في الامم المتحدة، إلى متى سيبقى سيف الاحتلال مسلطا على رقاب الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لا تعترف الدول الديمقراطية، التي تنادي بخيار حل الدولتين بدولة فلسطين؟ والى متى سيبقى ستة الاف اسير فلسطيني قابعين في سجون الاحتلال؟ والى متى ستبقى الحواجز وجدار الفصل العنصري وحصار قطاع غزة؟ والى متى سيبقى اطول احتلال في التاريخ جاثما على رأس وارض الشعب الفلسطيني؟ وألم يحن الوقت لينتهي الظلم التاريخي؟ ولماذا لم يطبق الشق الثاني من قرار التقسيم الدولي 181، اي إقامة الدولة الفلسطينية؟ ثالثا ذكر الرئيس ابو مازن العالم، ان ارض السلام، ارض الديانات السماوية الثلاث، ارض فلسطين مازالت تبحث عن السلام، وعلى العالم ان يحث الخطى قبل فوات الاوان لصناعة السلام، وانقاذ شعوب المنطقة من ويلات ما تحمله السياسات والجرائم الاسرائيلية لها من حروب وإغراقها في دوامات الفوضى والارهاب، مؤكدا ان من اراد البحث عن السلام ومحاربة الارهاب، عليه ان يبدأ بحل المسألة الفلسطينية، غامزا من قناة كل من تحدث عن مواجهة الارهاب، ولم يتطرق بكلمة لقضية الشعب الفلسطيني. رابعا اشار الرئيس للنظامين، اللذين انشأتهما إسرائيل في اراضي دولة فلسطين المحتلة، نظام الابرتهايد ضد ابناء الشعب الفلسطيني، ونظام الامتيازات الواسعة لقطعان المستعمرين. وتساءل: هل هذا ممكن؟ هل يجوز ذلك؟ وهل هذا مقبول من العالم؟ والى متى؟ والى ماذا سيؤدي ذلك الارهاب العنصري البشع؟ خامسا توقف امام المرحلة الانتقالية، التي انتهت عام 1999، ولكن إسرائيل مازالت تواصل الاحتلال وترفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، واكد على ان اسرائيل تجتاح اراضي الدولة الفلسطينية بما في ذلك الاراضي المصنفة (أ) التي يفترض انها خاضعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها الشرعية، وتضاعف الاستيطان الاستعماري فيها، كما ترفض إسرائيل حتى مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية، مصرة على فرض الهيمنة الاقتصادية والامنية والعسكرية على دولة فلسطين المحتلة. سادسا وكانت القنبلة الاستراتيجية، التي اعلنها ابو مازن، بان القيادة لن تلتزم بالاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، لاننا الطرف الملتزم بها حتى الان. لكن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية جعلت الوضع غير قابل للاستمرار، بناء على ذلك، لن نلتزم بالاتفاقيات، وعلى إسرائيل ان تتحمل المسؤولية كاملة عما ستؤول اليه الامور، فإما القبول بخيار حل الدولتين او تعود لممارسة احتلالها كاملا. سابعا وختم بالتأكيد على الانضمام لكافة المنظمات الاممية دون استثناء، لان هذا الانضمام ليس موجها ضد احد وانما لحماية شعبنا. ثامنا خاطب الاسرائيليين، قائلا: أمد يدي للسلام العادل، واقول لجيراننا ابناء الشعب الاسرائيلي، ان السلام مصلحة لكم ولنا، واياكم ان تضيعوا الفرصة، فالانغلاق على الذات ورفض السلام، لن يكون في صالحكم.

خطاب سياسي شامل وتاريخي بكل ما للكلمة من معنى. وتعاظمت اهميته (الخطاب) ايضا، ان تزامن مع رفع العلم الفلسطيني امام مقر الامم المتحدة، وهي خطوة ذات اهمية