الُمتابع لخطوات الاحتلال الصهيوني أحادية الجانب منذ توقيع اتفاقية أوسلوا قبل 22 عامًا إلى اليوم يجد أن الاستيطان قد التف حول الضفة الفلسطينية كالأفعى وأعدم أي أمل لحل الدولتين وأصبح  فعل ماضي ناقص لا يقبل القسمة أو الضرب إلا على نفسه، وبدأ تقسيم مكاني وزماني للقدس واشتعلت واستعرت وثيرة الاستيطان وتوحش قطعان الغاصبين المستوطنين وحرقوا الفلسطينيين أحياء ومارسوا أبشع صنوف الارهاب والتطرف؛ مدعومين بحكومة يمينية صهيونية مُجرمة؛ وجاء خطاب الرئيس أبو مازن بالأمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليتكلم بصراحة ويوصف الواقع الأليم بأن الاحتلال لم يلتزم بأي اتفاقيات سابقة وكان المفروض إعلان حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عام 1998م بعد خمس سنوات من توقيع أوسلوا؛ ولذلك قال هم لم يلتزمون بالاتفاقيات ونحن لن نلتزم، ولن نبقي مكتوفي الأيدي مما يعني فعليًا الاعلان عن وفاة اوسلوا رسميًا وإعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال؛ وهو ما يؤكد التأسيس لمرحلة نضالية جديدة قادمة فليتجهز وليستعد لها الجميع؛ وخاصة بعد ثلاثة حروب صمد فيها  الشعب الفلسطيني في غزة، وصمد المرابطين في القدس الشريف ولكن تلك المعركة تحتاج للملة الجراح وتوحيد الصف الفلسطيني وانهاء الانقسام؛ وفي ندوة عُقدت منذ فترة قريبة في رابطة كتاب عمان حول معاني الانتصار في غزة، وشارك فيها الدكتور حسني الشياب / استاذ العلوم السياسية والمستقبليات، استغرب الحضور من الاحتمال الذي ذكره الدكتور حسني بعد تحليل عميق من امكانية اندلاع صراعات ومناكفات فلسطينية داخلية بين غزة ورام الله تضعف القضية الفلسطينية وتبدد أي انجاز تحققه منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن ذكر الدكتور أن منطق الأمور يدفعه الى تشاؤم العقل و استبعاد تفاؤل الارادة، وكان بعض الحضور من المخضرمين سياسيًا وفكريًا على الضد منه وقد أقام مداخلته على تفاؤل الارادة وامكانية البناء على أي انجاز فلسطيني مقاوم، وعن قدرة الشعب الفلسطيني على انتاج معاني جديدة في الصمود والمقاومة ومواجهة العدو الغاصب. جاء الاستغراب بعد اعلان المصالحة الفلسطينية بمخيم الشاطئ قبل فترة، والتفاؤل الشعبي الذي بُني عليها، وما قدمه انتصار غزة من معاني وأثاره من قدرة على الصمود والمقاومة، ووقفة الشعب الفلسطيني دفاعا عن الأقصى التي قد تدفع بالنضال الفلسطيني الى الأمام. الا أن ما حدث لاحقًا جاء ليؤكد الى حد ما افتراضات الدكتور حسني الذي يقرأ الأحداث قراءة تنبؤيه مختلفة قد تثير الاستغراب لكنها تجري في مستقر لها. وكنا قد استبشرنا خيرا بعد سنوات عجاف من الصمت والصراع والعبث بأن المصالحة الفلسطينية حتى بطابعها الرسمي والشكلي قد تسفر عن توحيد الجهد الفلسطيني في أتون واحد، وقد ترفع من معنويات الشعب الفلسطيني التي انهارت من جراء الاختلاف والتصارع الداخلي، كما استبشرنا بانتفاضة جديدة قادمة بدأت نذرها تلوح في الأفق، بعد أن صمدت غزة من وقت قريب صمود الأبطال، وبعد أن رابط أهل فلسطين بشجاعة في القدس دفاعا عن فلسطين ومعناها، وعن الأقصى، وبعد تلك الاغارات الفردية الشجاعة على المستوطنين في الخليل والقدس التي ترسم الملامح والخطط الأولى لطبيعة الانتفاضة القادمة، وتكسر الصورة الاستكبارية المفولذة للكيان العنصري الصهيوني الذي لا يطال.  وبعد الاستبشار بالانتفاضة وبالمصالحة ؛ اختار بعض رموز الانقسام في فلسطين أن يعودوا للسيرة الأولى في اعادة انتاج الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني بعد نصب الميكروفونات المعهودة وعقد المهرجانات التحريضية والتطبيل والردح على الفضائيات التي تعبر عن القلوب المغلولة الملآنة، ولا تعبر عن أي فهم نضالي لما تمر به فلسطين وما تمر به الأمة من أزمات، وكان ذلك من أسوأ الهدايا التي تقدم لشعب جبار على أبواب انتفاضة سوف تقلب المعادلات وترعب الصهاينة وتفتح صفحة جديدة في سفر النضال الفلسطيني، لا بل أنه كان خذلانا للجميع واقبالا على التناحر الذي يخدم الكيان العنصري أولا وأخيرا. ومن المؤسف أن لا يدرك ولا يؤخذ بالاعتبار أن الصهاينة لا يعرفون طريقا أفضل لكسر ارادة الشعب الفلسطيني من هذا الخلاف والتنابذ الداخلي، وهذا التصارع العبثي الذي يديره ويتحمس له أطراف الحكم في فلسطين، ولذلك ترى الصهاينة يراهنون على الصراع والاقتتال وتخريب وحدة الشعب الفلسطيني كأداة مجانية لاستكمال مشروعهم العنصري، وهذا كما نعتقد من الأمور التي يجب أن تكون واضحة لكل الأطراف الحاكمة، وخصوصا بعد معركة طاحنة ومؤلمة في غزة، وبعد اعادة احتلال وتطهير مكاني صهيوني للقدس وللأقصى ومحاولة استباحته وهدمهُ واخضاعه للسيطرة الصهيونية، وتغيير ماهيته ومكانته المقدسة.  إن الدفاع الحقيقي عن فلسطين لا يكون الا بوحدة شعبها وتوحده على خيار المقاومة الشعبية للكيان الصهيوني، وفق استراتيجية وطنية موحدة وانهاء الانقسام البغيض؛ أما ما ينشأ من خلافات داخل الصف الفلسطيني فهي المعرقل الأساس لأي محاولة للدفاع عنها، وهذه قد تبدو من بديهيات النضال الطويل للشعب الفلسطيني الذي كان ولا يزال عصيا على الكسر، الا أننا نلاحظ أن هناك من يريد أن يتجاوز هذه البديهية لكي يغرق ويغرق معه الشعب الفلسطيني في أتون أو جحيم الشكليات السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويترك التناقض الرئيس لكي نخوض في الهامشي والشكلي والاحتفالي. ونقول أخيرا لأصحاب العنعنات والمغرمين بالميكروفونات، والتطبيل والشتم والسب على شاشات الفضائيات :انهوا الانقسام وتعالوا إلى كلمةٍ سواء بين بعضكم بعضًا ولا تخذلوا شعبكم الجبار القادر دائما على الصبر والانتصار، ولا تخذلونا في هذا الزمن الصعب الذي نتمسك فيه بأي لمعة مقاومة، وأي استبشار بالانتصار على هذا العدو العنصري البغيض؛ حيث أن الخطاب الأخير للرئيس عباس في الأمم المتحدة وصفه الاحتلال بأنه وضع المسدس على الطاولة دون أن يطلق الرصاصة الأولي؛ وهي وفاة اوسلوا وأخواتها والتي بالفعل قد أنهاها الاحتلال؛ وعلينا كشعب وفصائل التوحد نحو هدف واحد واستراتيجي وهو إكمال المسيرة والبناء على النقاط الجوهري والهامة في الخطاب وأن نطلق رصاصة الرحمة على اتفاقية أوسلوا والتي أفشلتها دولة الكيان المسخ؛ وعلينا أن نلتف موحدين ونجتمع على هدف تحرير فلسطين من دنس الاحتلال.