من بين كل صانعات وصانعي "كعك العيد" المهرة والمتميزين، الذين بإمكانهم الحديث عن فن صنع الكعك، مقاديره وطريقته، ثم أهميته كجزء لا يتجزا من طقوس الأعياد،  سوى بيت صغير تحول بفضل سيدته إلى مصنعا للحلويات، تعتاش أسرتها منه، ويشكل أبنائها وزوجها طاقم عمله الأساسي.

السيدة سمية صالح "50 عاما" من قرية عارورة شمال غرب مدينة رام الله، أمهرت صناعة كعك العيد وعدد من الحلويات الأخرى منذ الصغر، كما أثبتت جدارتها في القدرة على إدارة المشاريع الصغيرة، حينما طورت موهبتها في صناعة الحلويات، من تلبية طلبات جاراتها وصديقاتها إلى مشروع صغير قائم بذاته، يزود منطقة عارورة والقرى المجاورة بجاتوهات الأعراس، وكعك العيد والبيتيفور والمعجنات الخفيفة، إضافة الى الأكلات الشعبية الفاخرة كالمفتول والمسخن وغيره، التي تستصعب نساء اليوم اتقانها بذات المستوى الذي كانت عليه.
تقول سمية: تعلمت صناعة الحلويات وأنا على مقعد الدراسة، كنت أحب تطبيق ما أتعلمه خلال حصة التدبير المنزلي عند عودتي للبيت، وعندما صار لي أسرة وأطفال، بدأت أحول هذه المهارة الى عمل أسترزق منه.

طاقم عمل أم أفراد أسرة؟! 
ولما كان عدد الاناث في الأسرة يفوق عدد الذكور، "4 إناث وذكر"، فقد استطاعت أم محمود نقل خبرتها ومهارتها إليهن بكل سهولة ويسر، ليكن بعد سنوات طاقم العمل الرئيس لمشروعها الصغير.
تقول صالح: كان عددنا ستة في البداية، وكان العمل يتم بشكل أسرع والمجهود أقل على كل شخص فينا، ولكن بزواج اثنتين من بناتي، انخفض عدد الطاقم الى أربعة وهو ما اضطرني فيما بعد لترك عملي كطاهية في مدرسة "هيلين كيلر" لذوي الاحتياجات الخاصة، والتفرغ التام لمشروع الأسرة.
ورغم أن صالح لم تكمل تعليمها الجامعي، إلا أنها أصرت على تطوير مهاراتها في صنع الحلويات من خلال عدد من الدورات التي استمرت شهور طويلة، كان آخرها واحدة في إدارة المشاريع الصغيرة بواقع 120 ساعة، والتي عزمت بعدها على شراء الالات والمعدات وغيره واستئجار المكان اللازم من أجل البدء بالمشروع." تقول أم محمود: استأجرت محلا قريبا من مدرسة القرية، كي أستفيد من طلبة المدارس وأبيعهم المعجنات والحلويات وغيره، ولكن انقطاع الماء المستمر حينها عطل العمل ووصل بالمشروع الى مرحلة من الفشل وبالفعل أغلقنا المحل وعدنا أدراجنا للعمل من البيت كما في السابق.
ولكن فشل هذه الخطوة لأسباب لم تكن في الحسبان لم تحبط السيدة سمية، بل على العكس زادتها إصرارا على إعادة فتح المشروع ولكن بشكل أكثر ترتيبا وحذرا. تقول صالح: حولت جزءا من البيت إلى مكان للعمل، وجزءا آخر لعرض المنتجات واستقبال الزبائن، واستفدت من افتتاح قاعة للأفراح في القرية حيث أعلنت عن استعدادي لتلبية كافة جاتوهات الأعراس، فانفردت بهذه الميزة تحديدا في المنطقة بأكملها، حيث كان أهل القرية يجبلون الجاتوهات من المدينة فيما سبق.

مصدر الدخل الرئيس 
خمس سنوات مرت على تلك الخطوة استطاعت فيها أم محمود تسديد كافة تكاليف المشروع والتي بلغت اثني عشر ألف دولارا، كما تغلبت على واحدة من أهم الصعوبات التي واجهتها وهي تسويق منتجاتها، حيث وجود صفحة لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والذي مكنها من عرض أعمالها اليومية، كان حلا يافعا لإعلام الناس عن مشروعها.
وتؤكد السيدة أنه لولا تشجيع أبنائها وزوجها الذي كان هو الآخر جزء لا يتجزأ من المشروع لما استطاعت إنجاحه والمضي فيه، ليصبح بعد فترة قصيرة مصدر الدخل الرئيس للأسرة، وليساعد مردوده على قضاء أهم احتياجات عائلتها من تعليم جامعي وسداد ديون ومصاريف يومية وغيره.
وتطمح صالح إلى إتمام كتاباها الذي كانت قد بدأته حول صناعة الحلويات البيتية، والذي يتضمن الوصفات الخاصة التي اعتمدتها في تصنيعها للحلويات، حيث توقفت عنه مؤقتا بسبب تكلفة نشره الباهظة.
كما تطمح لتطوير مشروعها وتوسيعه واستحضار ماكنات أحدث وأجدد، خاصة لحلوى "البيتيفور" حيث الامكانيات الحالية لا تزال بسيطة ومتواضعة، الا ان ذلك لم يمنعها عن العمل على الاستمرار في تحسين جودة الحلويات الناتجة.
وتشجع السيدة كل من لديه فكرة لمشروع على عدم التردد بالبدء فيه، كما تؤكد أن كل المشاريع في بدايتها تواجه مشاكلا وصعوبات، إلا أن ذلك لا يجب أن يواجه بالفشل والاحباط
 
عن "كعك العيد"
 
وعن كعك العيد أو "المعمول" تقول أم محمود: هي بسيطة في مكوناتها وطريقتها؛ ورغم ذلك تستصعبها الكثير من النساء، فإما أن تتحجر معهن وإما أن تكون كثيرة الدهن والزيت فتذوب خلال خبزها، وإما أن تتفتت بمجرد مسكها. وهنا تؤكد أم محمود أنها تستخدم ذات المقادير التي تستخدمها ربات البيوت في إعداد الكعك إلا أن الاختلاف الرئيس هو في طريقة عجن السميد "ليست كالطحين العادي" وإنما تقليب خفيف برؤوس الأصابع. تقول أم محمود حول الوصفة: أضع لكل رطل سميد كيلو سمنة، وكوب زيت وكوب طحين ومستكة ومحلب. وخلال العجن أسكب ثلاث أكواب من الماء وكوب سكر لكل رطل، إضافة لرشة من الملح وبعضا من ماء الزهر وملعقة خميرة." وتؤكد السيدة لكل من تريد صنع كعك العيد أن كثرة تقليبها وعجنها هو ما يجعلها تتحجر، وبالنسبة للحشو، فإما بالعجوة حيث تضيف لها الزيت والقرفة والهال واليانسون المحمص وقليلا من جوزة الطيب حسب الرغبة، وإما بالجوز المدقوق المضاف له ماء الزهر والقرفة."