رغم الخلافات المتعددة بينهما، خصوصا في المساحة المخصصة لتطبيقات الملف السوري إلا ان الاتصال الهاتفي الذي جمع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبحث حصريا ملف المسجد الأقصى يؤسس مساحة مشتركة سياسيا يمكن ان يتسلل منها العامل التركي إلى الاستعصاء الأردني.

فهناك حساسية أردنية تجاه الأتراك  تتمثل في محاولاتهم في الماضي «الاقتراب» من ملف المسجد الأقصى تحديدا، وهي مسألة ينفيها بطبيعة الحال السفير التركي في عمان سيدات أونال الذي تحدث في حضور «القدس العربي» عن حرص بلاده على دعم الدور الأردني في رعاية المقدسات في فلسطين وعدم وجود أي محاولة للمزاحمة.

عمان طوال الوقت حساسة تجاه ملف وصايتها على المسجد الأقصى دينيا، لكن التنكر الإسرائيلي الأخير وجه ضربة قاسية لبرنامج الوصاية الأردني، خصوصا ان مكتب بنيامين نتنياهو يعبث ويتلاعب مع الخارجية الأردنية، وهو يبلغ مكتب الوزير ناصر جودة عبر المستشار يتسحاق مردخاي بأن حكومة اسرائيل ليست بصدد تغيير أي واقع على الأرض في المسجد الأقصى والقدس، وأن على الأردن وبصفته المدير الوقفي للأماكن المقدسة التدخل لمنع العنف وتخفيف الاحتقان.

الحرص أردنيا على التواصل مع أردوغان تحديدا بصفته من أهم زعماء العالم الإسلامي يظهر تماما مستوى الحرج في الموقف الأردني ويدلل على إنعدام ثقة الأردن بالجانب "الإسرائيلي" وتطميناته ويرسل لتل أبيب رسالة قوامها بأنها لا تستطيع الاستفراد في الأردن عندما يتعلق الأمر بالمسجد الأقصى.

بمعنى آخر يتنازل الأردن عن حساسيته مع الأتراك فيما يتعلق بملف المسجد الأقصى، ليس فقط بسبب الإخفاق في الضغط على شريك السلام الإسرائيلي، ولكن ضمن سياق سياسي يقول ضمنيا ان قضية المسجد الأقصى ستصبح دولية، ما يوفر المساحة عبر الوصاية الأردنية لتدخلات دول إقليمية كبرى مثل إيران وتركيا.

اللافت في سياق إتصالات الأزمة الأردنية ان عمان تبدي قدرا من المرونة إزاء مسألة انفرادها في الوصاية على المسجد الأقصى وتوفر مساحة لمشاركة آخرين سيزعجون "إسرائيل"، وهو ما تحاول الخارجية الإسرائيلية استدراكه ردا على الاستفراد باللاعب الأردني.

من هنا يمكن النظر لاتصال الملك الأردني بأردوغان باعتباره رسالة للإسرائيليين، وقبل ذلك للأتراك للاقتراب مسافة محسوبة من ملف أردني بامتياز نكاية بالإسرائيليين، لإن عمان مدركة تماما بأن إسرائيل تتلاعب بأمنها الداخلي عمليا وهي تعبث بملف حساس جدا من وزن المسجد الأقصى.

الخارجية الأردنية تحاول مطالبة إسرائيل بمذكرات رسمية مكتوبة، بعدما فقدت الثقة تماما بالاتصالات والتطمينات الهاتفية، كما علمت «القدس العربي» من مصدر دبلوماسي أردني مطلع جدا أفاد بأن تل أبيب تحاول المشاغلة فهي تدفع بتطمينات للخارجية الأردنية بعدما أعلن الملك عبدالله الثاني غضبه الشخصي وتدعم تدخلات المستوطنين على الأرض في القدس.

عمان بهذا المعنى ستوقف عن الاعتماد على الاتصالات الهاتفية «اللعوب» على حد وصف عضو البرلمان محمد هديب من الجانب الإسرائيلي، وتطالب بمذكرات ووثائق مكتوبة يمكن عرضها على المجتمع الدولي.

في الأثناء لوحت عمان بورقتها الأولى وتتمثل في سحب السفير الأردني من تل أبيب في حال الاستمرار في الاعتداءات على المسجد الأقصى، وهو ما أشار له محمود عقرباوي مسؤول الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية الأردنية.